الوردة تكون أجمل ما تكون إذا كانت في حديقتها ، وهي بما خُصت به من بديع الخِلقة ، ورقة الطبع ، وتَبَدِّيها بهيئة المترقب للقطف تغري بالنظر وتقصي المحاسن لكل عين تبصرها ، فمن قائل : ليت ولعل ذوبان قلب من جمرة نظر ، وقائل : سبحان من سواك ، وقائل :... ، ثم كلٌّ يمضي إلى وجهته حاملا معه ذكراها وهي في مستقرها لا تعلم عما كتبتْ في القلوب من قصائد ، وما أشعلت في المقل من حرائق ، وما قد كابده تقي من هول فتنتها ، وهي على ما هي عليه حتى إذا ما لمحها أناني جشع آذَنَها بالهلاك والذبول وهي في ريعان شبابها ، وعنفوان جمالها ، فيَتَسور لها الحرمات واحدا تلو الآخر حتى إذا ما دنا منها جثا بين يديها حرباء تتبدل وتتشكل وتتحول على مقتضى هواها حينا ، وبحسب الظروف ومقتضى النصب والاحتيال أحيانا أخر ، إن خلا بها في جنح الليل اهتبل اللحظات ليسمعها من أنينه قصائد العشق أنغاما شجية زفرات وتأوهات - والورد رقيق طروب – ثم إنه يَتَحيَّنُ مرورَ مَنْ هو به أشبه ليسمعها زئيرا هو أشجى عندها من كل تغريد ، فإذا رأى منها تمايلا ، اقتطفها خطفا ، وإن رآها تتلكأ وتتمنع ، انقلبت الحرباء حمامة حرم حتى الإلف والطمأنينة إن كان ذا صبر وجلد ، ومتى ما قدر أن الوقت سوف يطول به وكان على عجالة من أمره اختصر الوقت ذات خدر منها لتجد نفسها بعد الإفاقة ملقاة على قارعة الطريق تشمئز منها النفوس ، وتلعنها الألسنة ، وتطؤها الأقدام .

إن الورد خُلِق ليقطف ولكن ليس أي قطف ، هو قطف يد رحيمة كريمة متوضئة ، يد موسيقي فنان يراها قلبه الذي به يحيا ، وعينه التي بها يبصر ، والنور الذي يبدد كل ظلام ، واللقاح الذي يهزم كل مرض ، والتعويذة التي تفرج كل هم ، هو قطف من حياة ضيقة إلى حياة رحبة من صنع قاطفها يغرسها في سويداء قلبه ليعيشا معا كل الثواني شهيقا وزفيرا ، وكل الخطوات يمينا وشمالا ، عين وهدب ، وليلة وبدر ، ونهار وغيمة ، وشراع وسفينة ، وريشة ووتر ، وطفل ولعبة ، وحَبْر ومكتبة ... ، وجواد موسر وضيف ، وفراسة حكيم ولغز ... ، وعفة وطهر ، ورفعة وشمم ، وعبقرية وسؤدد ، وأناة ووقار ، و ألفة ووئام ، وفرحة وسلام ... ، أم وأب حنانا وأمنا ، وبرد وجمر عشقا وصبوة ،
وسيد وأمة ، وحرة وعبد ، تَأْمُرُه بما شاءتْ مادام قلبها مملكته ، وعيناها عرشه ، وأهدابها شعبه .

عشقتك - ليلى - عشق الأشجار للماء ، والطير للأفنان ، والفراشات للأزهار ، والأسماك للأنهار ، والعُبَّاد للأسحار ، عِشْتُك يقظة ومناما ، ومع كل خطوة أخطوها إليك توصد الأبواب مِن خلفي ، والطريق يطول يطول يطول ويضيق ويضيق ويضيق ... أَسِيرُه وحدي شطحات خيال مني إلى مَنْ لَمْ تُخلق بعد ، وإن يكن حسبي أنها معي قلبي مهدها ، وقلبها لحدي .