هل كان الشاعر العربي الجاهلي عبيد بن الأبرص حقا وجوديا؟ حسب أحد الفلاسفة الألمان...، لا بد وأن ما نظمه وما قاله هذا الشاعر المتقدم في الإبداع على غيره ممن عاصره لا بد أن يكون يقصد أفكارا (حول الموت كفكرة والموت كحقيقة) عجز حتى الأدباء على تحليلها وإبعادها أبعادها الحقيقية، وخاصة لما قال في مطولته التي تسمى أفقر من أهله:
فكل ذي نعمة مخلوس وكل ذي سلب مسلوب
وكل ذي أبل موروث وكل ذي أمل مكذوب
وكل ذي غي...بة يؤوب وغائب الموت لا يؤوب
من يسل الناس يحرموه وسائل الله لا يخيب
وهو الذي قال أيضا:
لا ألفينك بعد الموت تندبني وفي حياتي ما زودتني زادي
الخير يبقى وإن طال الزمان به والشر اهون ما أوعيت من زاد
على كل حال الموضوع يطول لاستخراج كل ما قاله الشاعر عبيد في الموت، إلا أن ما يشتهر على عبيد نظرته التشاؤمية ومسيره في البلاد وتعرفه على الأقوام التي هلكت قبله، أو هلكت في زمانه، وقد عبر على ذلك بالكثير من الأشعار التي نستشف منها النظرة الاستشرافية للخراب والهلاك والفناء ومثال ذلك قوله:
إذ بدلت أهلها وحوشا وغيرت حالها الخطوب
أرض توارثها شعوب وكل من حلها محروب
إما قتيلا وإما هالكا والشيب شين لمن هو شيب
كما قال أيضا: أدركت ملك بني نصر وبناء سنداد وكان أبيدا
ما يبتغي هذا التفى من بعد عيشه إلا الخلود ولن تنال خلودا
فالشمس طالعة ونجم كاسف والدهر يجري أنحسا وسعودا
أعتقد أنه ينبغي أن لا أطيل عليكم باستطراداتي، غي أنني أطرح أسئلة كثيرة حول الأنموذج الأصلي لمفهوم الموت في ذهن عبيد بن الأبرص في العصر الجاهلي، ولكن الحقيقة التي يعترف بها عبيد حول الموت في كل أشعاره هي أن الموت نهاية كل إمكان قد تحدثه الحياة، كما لا يعرف عن الموت غير انها مجهولة مظلمة وأنها تصيب لا محالة صاحبها وأنها لا تخطئ أبدا بعكس ما قاله معاصره زهير بن أبي سلمى، لهذا آخر ما قاله عبيد كانت وصية لآله وأبنائه وبني عمومته:
أوَصيِّ بَنِيّ وأعمامهم بأنّ المنايا لهُم راصده
فنفوسُ العِباد إليها، وإن جهَدوا، قاصِده
نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي