أخي الحبيب عبدالمجيد الفيفي العريشي
أسعدني حضورك مجددا فالحمدلله رب العالمين.
و بخصوص النص الذي طرحته بين أيدينا
فسأوافق الذين مروا قبلي في نقطة، و سأخالفهم في أخرى.

فأنا أوافقهم في جميل شاعريتك و كريم موهبتك و هذا يتجلى في علو الموسيقى
الشعرية و عذوبة المفردات و هذه من سمات الشعر و الشاعر.

و سأخالفهم في صيرورة النص الذي جاء مثالاً واضحاً على
( التناص مع القرآن الكريم)
و أنت تكثر يا فيفي من هذا الباب ما لم يكن كل ما أطلعته عليه من شعرك من هذا الباب
و هذه البدعة الشعرية قال عنها من لهم علم بالأدب و الفقه من الأمور الممنوعة كما نص عليه العلامة
ابن عثيمين رحمه الله في جوابه عن الاقتباس و التضمين من القرآن ،

و التناص يمر بعدة مراحل أهمها:
الإعداد و التحوير - الاقتطاف - المقارنة (موت المؤلف)

و سنطبق هذه المراحل على نص الأخ الكريم عبدالمجيد:
الإعداد و التحوير:
لا يخلو مسلم من حفظ أو فهم لآيات الله في الكتاب المبين و أخص ما يعلق بذهن القارئ أو السامع القصص
و من هذا قصة كليم الله سيدنا موسى بن عمران عليه و على نبينا الصلاة و السلام ، و قد عني القرآن بهذا النبي عناية خاصة فاشار إليه من مولده
إلى مراحل نبوته و من هذا قصة الميلاد العجيبة، و هذا ما تَـناصَ معه الفيفي و أسقطها على الطفل إيلان الكردي حذو القذة بالقذة مع بعض تحويرٍ لم يبعد الذهن عن النص القرآني.

الاقتطاف:
اقتطف الشاعر من كلام الله شيئا كثير من هذا :
- (ها قد ردَدْناهُ، وليسَ لأُمِّهِ) وهذا من قول الله تعالى (فرددناه إلى أمه ) فكان التحوير للنص القرآني بـ ِ ( وليس) بدلا عن ( إلى) وهو تحوير لفظي بسيط.
_ (مِن غيرِ تابوتٍ أفـاءَ لِيَمِّهِ) ============ ( إن اقذفيه في التابوت فاقذفيه في اليم) و هو تحوير لفظي أوسع من سابقه مع كونهما في صدر بيت و عجزه.
و هكذا يمضي النص يتتبع النص القرآني فبعد قصة التابوت و اليم التي جاءت في أول مراحل قصة سيدنا موسى عليه و على نبينا الصلاة و السلام جاء القصص القرآني
بأخته و هي تقص خبرهُ فجاء بها شاعرنا في نفس التسلسل المتناص مع سورة القصص فقال:
(لا أُخْتَ قَصَّتْهُ،
وكيفَ تَقُصُّهُ)
و القرآن يقول: ( قالت لأخته قصيه) .

ثم ذكر القرآن النشأة و بلوغ الأشد الاستواءو الميقات فتناص معها دون تحوير فقط مجرد سرد:
(بَلَغَ الأَشُدَّ،
أتى إلى مِيقاتِهِ طفلا)
فحوَّر مجيء سيدنا موسى لميقات ربه إلى مجيء إيلان للبحر ، و هكذا جرى التناص.

و يبقى أن ننوه إلى أنَّ دراسة التناص تنتهي بمسألة حتمية قد ينكرها المتناصون ،و لكنها هي من شروط التناص ألا و هي ( موت المؤلف)
و تعني أنَّ كل نص لا قدسية له، و قدسيته تنزع بمجرد عرض النص للجمهور ، فالنص حق مشاع لكل من يريد أن يتناص معه و لا حق لصاحبه أن يعترض و إن كان حيَّا
و هذا يشمل كتب أهل الأديان كالقرآن و الإنجيل و التوراة.

و من هذا المقارنة بين النص الأول و النص الثاني أيهما عرض الفكرة بشكل أجمل و أعمق؟
و سؤالي للكاتب و لغيره حتى يتم نقد عملية التناص بين نص القرآن حول طفولة و شباب و ميقات الرسول موسى عليه و على نبينا الصلاة و السلام
و بين عبدالمجيد حول طفولة ( إيلان عبدالله الكردي)، أسألكم جميعا من باب التنازل :
أيهما عرض فكرته بشكل أوفق للحادثة؟ ولله المثل الأعلى!

و هل كل ما جدَّت حادثة ذهب إخواننا الشعراء يتناصون مع القرآن ؟
فمثلا لو قُـذفت عفيفة شريفة في عرضها اتخذنا سورة مريم أو سورة النور المباركتين هدفنا لقوافينا ،و حوَّرنا معانيها الشريفة إلى معانٍ بشرية.
أو ابتلع رجلا حوتٌ تناصت أوزاننا مع سورة يونس................. الأمر خطير و الله من وراء القصد.