الإغماض عادة راحة، لكن عندك هو اشتعالٌ للوجع.
الذاكرة تتحول إلى نار تضيء وتؤلم،
والعين — التي أغلقت للراحة — تبتل بالدمع بدل أن تستكين.
أرقُ ليلٍ يغضُّ سكوني...
الأرق يلتهمك، والليل لا يمنحك سكونًا.
تشبّه مشاعرك بأمواجٍ تتلاطم، وأطيافٍ حائرة،
في إشارة إلى ضياع داخلي بين الذكرى والنسيان.
كأنّي أراها شمعةً خافية...
الطيف يتحوّل هنا إلى شمعة خافتة:
ضوءها ضعيف، لكنه ما زال ينير القلب المحترق.
الشمعة رمز للحبّ الباقي رغم الفناء،
و"فتيلها يحتضر" يشير إلى ما تبقّى من الأمل.
كأنّي أسمعُها مقامَ صَبا...
"مقام الصبا" من أكثر المقامات الموسيقية حزنًا وشجنًا،
توظّفه هنا للدلالة على الوجع الموسيقي في الحنين.
الصوت هنا ليس صوتًا فعليًا، بل إيقاع داخلي للألم.
كأنّي ألمسُها بأيدي ضرير...
في هذا المقطع ينتقل الإحساس إلى اللمس؛
إنك لا ترى الحبيبة، لكنك تتحسسها بالذاكرة كالأعمى الذي "يرى" بملامسته.
هذا يعمّق الفكرة: الطيف صار حقيقة باطنية تعيشها بالحواس لا بالعقل.
كأنّي أتذوّقُها دمعًا بأسى...
تتذوّق الفقد كما تتذوّق طعامًا،
فتجد له مرارة الغياب وألم الذكرى،
أي أن الذكرى تؤلمك وتُنعشك معًا — مزيجٌ من العذاب واللذّة.
كأنّي أستنشقُ عبيرَها روحًا...
الرائحة هنا ترمز إلى الحضور الغيبي؛
كأنّ الغائبة لا تزال تحيط بك كرائحةٍ عالقة بالهواء،
لكن حضورها يغمرك حتى الاختناق.
ثم تتوحّد الحواس الخمس في استحضار الطيف،
ثم تختم بأن الغياب صار سكناك الداخلي،
فهي لم تعد خارجَك بل تعيش فيك كطيفٍ دفينٍ في الذاكرة.
النص قطعة وجدانية عميقة تتناول الحنين إلى غائبٍ يسكن الذاكرة،
وتغوص في تجربة الفقد والاشتياق التي تتجلّى في كلّ حاسة من الحواس .
سلم الفكر والقلم.


