أحدث المشاركات
النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: طيفي الدفين

  1. #1

    افتراضي طيفي الدفين

    كلّما أغمضتُ عيوني،
    اشتعلتْ فصوصُ الذاكرة،
    تبتلُّ بالدمعِ جفوني،
    وتطفو آلامُ العقلِ الآسرة.

    أرقُ ليلٍ يغضُّ سكوني،
    ويُطبِقُ على النفسِ الحاسرة،
    أسبحُ في أمواجِ شجوني،
    وأصارعُ تيّارَ الأطيافِ الحائرة.

    كأنّي أراها شمعةً خافية،
    كمحاقٍ يُنيرُ ظلمةَ فؤادي،
    فتيلُها يحتضرُ كروحٍ فانية،
    يخبو… دليلَ دُجى همودي.

    كأنّي أسمعُها مقامَ صَبا،
    بشجيِّ لحنِه... حنينٌ عاطفي،
    موسيقى كروانٍ، بالسجنِ كبا،
    ترانيمُ نعيٍ، تختمُ عزفي.

    كأنّي ألمسُها بأيدي ضرير،
    حروفٌ ونقاطٌ بنتوءاتٍ،
    ذاكرةٌ مظلمةٌ لإحساسٍ بصير،
    يرى الحياةَ بألوانِ الممات.

    كأنّي أتذوّقُها دمعًا بأسى،
    عيونٌ تجري سيولًا بحنين،
    مرارةُ غيابٍ، وسُكرُ ذكرى،
    مذاقُ فراقٍ بنكهةِ الأنين.

    كأنّي أستنشقُ عبيرَها روحًا،
    يغمرني كأنفاسِ إكسيرِ حياة،
    يخنقُ كياني، ويَبني صرحًا
    لفقدِ هوًى بلا نجاة.

    رأيتُها... سمعتُها...
    لمستُها... تذوّقتُها...

    وشممتُ عبيرَ الغيابِ الثمين،
    فصارتْ بكلِّ حواسي تقيم،
    وتسكنُ ذاكرتي كطيفٍ دفين

  2. #2

    افتراضي

    الإغماض عادة راحة، لكن عندك هو اشتعالٌ للوجع.
    الذاكرة تتحول إلى نار تضيء وتؤلم،
    والعين — التي أغلقت للراحة — تبتل بالدمع بدل أن تستكين.

    أرقُ ليلٍ يغضُّ سكوني...
    الأرق يلتهمك، والليل لا يمنحك سكونًا.
    تشبّه مشاعرك بأمواجٍ تتلاطم، وأطيافٍ حائرة،
    في إشارة إلى ضياع داخلي بين الذكرى والنسيان.

    كأنّي أراها شمعةً خافية...
    الطيف يتحوّل هنا إلى شمعة خافتة:
    ضوءها ضعيف، لكنه ما زال ينير القلب المحترق.
    الشمعة رمز للحبّ الباقي رغم الفناء،
    و"فتيلها يحتضر" يشير إلى ما تبقّى من الأمل.

    كأنّي أسمعُها مقامَ صَبا...
    "مقام الصبا" من أكثر المقامات الموسيقية حزنًا وشجنًا،
    توظّفه هنا للدلالة على الوجع الموسيقي في الحنين.
    الصوت هنا ليس صوتًا فعليًا، بل إيقاع داخلي للألم.

    كأنّي ألمسُها بأيدي ضرير...
    في هذا المقطع ينتقل الإحساس إلى اللمس؛
    إنك لا ترى الحبيبة، لكنك تتحسسها بالذاكرة كالأعمى الذي "يرى" بملامسته.
    هذا يعمّق الفكرة: الطيف صار حقيقة باطنية تعيشها بالحواس لا بالعقل.

    كأنّي أتذوّقُها دمعًا بأسى...
    تتذوّق الفقد كما تتذوّق طعامًا،
    فتجد له مرارة الغياب وألم الذكرى،
    أي أن الذكرى تؤلمك وتُنعشك معًا — مزيجٌ من العذاب واللذّة.

    كأنّي أستنشقُ عبيرَها روحًا...
    الرائحة هنا ترمز إلى الحضور الغيبي؛
    كأنّ الغائبة لا تزال تحيط بك كرائحةٍ عالقة بالهواء،
    لكن حضورها يغمرك حتى الاختناق.
    ثم تتوحّد الحواس الخمس في استحضار الطيف،
    ثم تختم بأن الغياب صار سكناك الداخلي،
    فهي لم تعد خارجَك بل تعيش فيك كطيفٍ دفينٍ في الذاكرة.

    النص قطعة وجدانية عميقة تتناول الحنين إلى غائبٍ يسكن الذاكرة،
    وتغوص في تجربة الفقد والاشتياق التي تتجلّى في كلّ حاسة من الحواس .
    سلم الفكر والقلم.
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعينقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعينقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي



  3. #3

    افتراضي

    أديبتنا الفاضلة، نادية محمد الجابي،


    أعتذر أولًا عن تأخري في الرد… فقد احتجت لحظة لاستيعاب عمق كلماتك، وروح فهمك للنص، ونعومة رؤيتك التي تخترق ما بين السطور.


    كم أسعدتني ذائقتك الرفيعة، وقدرتك على متابعة خفقات النص كما لو كانت نبضات حية، تشاركني إحساسي، وتضيء مساره برقة لا توصف.


    تشجيعك المتواصل أصبح نورًا يرافق كل كلمة أكتبها، ويجعل الحروف ترتجف شغفًا بالصدق، وتغدو أعمق أثر، أسمع فيها صدى الطيف الدفين الذي يخالجني.


    ردك هذا كان بمثابة مرآة للنفس… انعكاس لطيفٍ دفينٍ يحتل الذاكرة، ويجعل القلب ممتنًا، والروح تبتسم، واللسان عاجزًا أحيانًا عن التعبير الكامل.


    حقًا، كلماتك أضافت للنص حياة ودفئًا، وتركته يرقص بين الحواس، كما لو كانت الرحلة مع الحرف والإحساس لا تنتهي، وكل قراءة جديدة تمنحها نبضة أخرى من الضوء الداخلي.


    الواحة منيرة بك، بأدبائها وشعرائها.
    دمتم لنا مرفأ أدب، حيث ترسي الحروف بمعانيها، والكلمات بصدقها.


    لكم مني أصدق التحايا.