القاصة : مناير المانع ،
قرأت هذه القصة التي لها طابعها الخاص ، وطريقة القص فيها تدل على تمكن من اللغة والأدوات القصية ، وقد بدى هذا واضحًا في اللغة ، والسبك والنسق ، وأسلوب الحكي المحكم الذي اعتمدت عليه القاصة لإحداث هذا الاستدعاء لمواقف متشابكة استطاعت من خلالها القاصة أن تختزل تاريخًا منذ الطفولة وحتى اللحظة التي أبدعت فيها هذا العمل ، والاعتماد على العطر اعتماد مميز ؛ فالروائح دائمًا ترتبط في النفس بآثار لا تزول ، لكن الطريف هنا هذا الربط بين الأب والشاب في المكتبة بالعطر ، ربما كانت القاصة موفقة هنا لإحداث هذه الشهقة الدالة على علامات الرجولة ، والصفات التي أحبتها من أبيها ، وكأن كل مستعمل لهذا العطر يقبس قبسًا من خلال الأب الذي كان سببًا في تعلق الطفلة بالعطر ، وهذا واضح جدًا حين تلتفت القاصة لتحكي عن الأخ الذي يمارس الرجولة بالصيغة الآمرة محفزًا من الأم ، ولأنه يعمل ويتقاضى راتبًا رأت البنت أن هذا الدور الذي يمارسه ضاري نابع من التخرج والعمل وتقاضي الراتب ، لذلك أسقطت الموقف على الحالة ببراعة أحييها عليها ، أما حالات الاستدعاء للعمة وابنها وأختها وهذه المنظومة التي تبني من خلالها القاصة شخصية البطلة كانت خيطًا آخر للربط بين الوسط والإغلاق حيث نلمح مع الشدة الحنان ، ونلمح مع التقرب من الأرحام شخصية قوية قادرة على اتخاذ القرار وتجيد المعارضة المبنية على المبررات الحقيقية .
هكذا استطاعت القاصة استجماع خيوطها لبناء هذا العمل القصي الذي اعتمد على التفكيك للأحداث ثم بناء هذه المفككات في لون قصي ماتع اعتمد على التشويق الكلاسيكي الذي لم يسبب الملل لخلوه من الرتابة ، وقد أجادت القاصة أيضًا في استخدام المفردات البسيطة التي تناسب المراحل العمرية التي استعرضتها كخلفية حركية لعملها ، ويبدو أن القاصة متمكنة من هذه الآلية لأنها تجيد التخلص من إطار نفسي إلى ما فوقه دون إحداث أي فواصل ، وقد خدمها في ذلك هذا التقسيم الفقري الذي أكسب العمل مرونته لنصل إلى الشابة التي أجادت وأجادت وأجادت القاصة في بناء شخصيتها وكأنها تهمس لنا بأنوثة تامة مكتملة تتخلص فيها من ممارسات القبيلة إلى انطلاقة الشباب ، لكنها الانتقالة الموجهة الحالمة في الموقف العارض الذي يفتح الباب أمام توقع المستقبل ، وهذا دور القارئ ضمن عدة فتوحات لابد أن يمارسها لتصور العمة ، وممارسة الضرب من العمة لابنها ، ومن البنت لابن عمتها ، ومن هذه العلاقة المشحونة بين البنت وأخيها .
حقيقة على الرغم من قصر القصة إلا أنها عمل مفتوح يحفزني لقراءة بقية إبداعات القاصة .
أديبتنا : مناير المانع ،
محبتي واحترامي
مأمون