السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
زجاجة فهرنهايت
لم أذكر أنني عشقت عطراً رجالياً ، أو حتى نسائياً ، كعشقي لـ " فهرنهايت " .. كثيراً ما كانت تذهلني وأنا طفلة يد أبي الممسكة لتلك الزجاجة الحمراء ، ويروق لي رؤية الزخات المتناثرة منها ناحية أبي ، حتى أنتشي بعد ذلك برائحة تنتشلني حيث لا أعلم .. أجزم أني أشعر بنشوة أكثر من تلك التي شعر بها أبي ..
وكثيراً ما كنت أعبث بزجاجة العطر بعد أن يغادر أبي ، وأحياناً آخذها خلسة فلا يراني ، أو يتظاهر بذلك ..
أتأملها ،أحتضنها بشدة ، أراقصها .. حتى وقعت مني ذات مرة و كُسرت .. فوبّختني أمي ، وأقلعت عن تلك العادة ..
منذ أيام وبختني أمي أيضاً .. لأنني تركت " ضرار " الصغير ينام قبل تناول العشاء .. في الحقيقة أنا من تأخرت في إعداده .. وقد تعمّدت ذلك .. كنت أتحدث مع خالتي عبر الهاتف .. حديثي معها كان أهم من أن ينام ذلك الولد الأبله بعشاء أو بدونه .. كنت أحاول استرضاءها .. فهي لم تعد تزورنا منذ ذلك اليوم الذي ضربت فيه ابنها " مصعب " حتى سال الدم من فمه ..! لم أفلح في إرضائها .. حاولت إقناعها بأن " مصعب " بحاجة لزيارة طبيب الأسنان ، فالتسوس يجعلها تدمي باستمرار وبدون أسباب .. لم تفلح محاولتي معها ..!
ثم إنني لم أضرب " مصعب " عبثاً .. فقد سبقني بضرب أخته " عائشة " .. رأيتها مراراً وهي تحاول إفساد لعبته عليه ، لكنني لم أنتظر طويلاً كي أعاقبه على ضربه لها ..!
و" عائشة " رغم أنها لم تكن لتحتل تلك المكانة من العطف والشفقة في قلبي ، لكنها المرة الثانية التي أنتصر لها ..
فعندما اشتكى لي منها أخي " ضرار " ذات يوم لأنها غشـّته في لعبتهما .. حاولت جاهدةً أن أقنعه بأنها لم تخطئ .. واستعنت بكل حيلة أظنني أمتلكها .. لأظهر " عائشة " بلباس حق .. وتمّ ما أردت ..!
لا تزال أمي اليوم توبخني .. فـ " محمد " هو ثالث من يتقدم لي وأرفضه .. أخبرتها كثيراً أنني لازلت صغيرة .. وأن كل ما يملأ عقلي الآن هو دراستي .. سأتخرج وأعمل وسأتقاضى ضعف ما يتقاضاه أخي " ضاري " .. ستنظر لي كما نظرت له من قبل .. ستجعلني آمر وأنهي وأرفع صوتي على من أشاء من إخوتي ، ولن تطلب منهم مقابل ذلك سوى الطاعة والخنوع .. تماماً كما تفعل مع " ضاري " ..!
مساء أمس كنت في المكتبة .. أبحث عن كتاب .. وعندما لمحته ، هممت لنيله .. لكن كتفه كانت أسرع ، فطرقت رأسي .. تراجعت بسرعة وأشخصت بصري نحوه .. اعتذر ورحل .. لكنني بقيت في مكاني .. أشعر بدوار .. دوار شديد .. بوادر غثيان أصابتني .. بل أكاد أتقيـّأ ..! يا إلهي .. كتفه ليس بالحجم الذي يستدعي كل ذلك .. ماذا أصابني ؟!
آآآه .. إنها رائحته .. فهرنهــايـت ..!!
مناير / الكويت
26 أيلول / سبتمبر 2007