بعد يوم ثقيل الوطأة وأكثرها ضجيجاً
سألني أحدهم كيف كان الرشيد يتمايل من ثمالة الخمر بأقداح الغانيات
ويقطف التفاح ، بينما كان يمد السيف حتى طال بلاد الواق واق ؟؟
وما الدليل هنا

وهذه مصيبة ان نصدق ان البكّاء الذي اذا ذكر بلقاء الله بكى الى ان يبل لحيته بانه شارب للخمر ومترنم مع رقص الغواني
اخواني هذا الرشيد الذي فتح الله له وانار له الدنيا الذي امطر له الله السحب انى امطرت اتاه خراجها فهل يعقل ان نصدق ما قيل من دس عنه بانه شارب للخمر
رجل يحج سنة ويجاهد سنة هل يعقل
لذى نشات حيرتك
ما الرشيد يا اخي بشارب خمر ومن يقول ذلك فاقول له ما لك من عقل
التاريخ لابد ان ينظف من ما علق به من تدليس وقد دلس عليه كثيرا من ابواب عدة
واليك مقتطف من جمع نصوصه فاعل خير ...

يروي ابن خلدون ـ بعد ما ذكر حديث المفترين على هارون الرشيد ـ فيقول :
وأين هذا من حاله وقيامه بما يجب لمنصب الخلافة من الدين والعدالة ، وما كان عليه من صحبة العلماء والأولياء ، ومحاورته للفضيل بن عياض ، وابن السماك ، والعمري ، ومكاتبته لسفيان الثوري ، وبكاؤه من مواعظهم ، ودعاؤه بمكة في طوافه ، وما كان عليه من المحافظة على أوقات الصلاة ، وشهود صلاة الصبح لأول وقتها .
ثم يقول : حكى الطبري وغيره ، أنه كان يصلي في كل يوم مائة ركعة نافلة ، وكان يغزو عاماً ويحج عاماً.
ذكر السيوطي في تاريخ الخلفاء أن الرشيد : كان من عادته في كل حجة يحجها أن يوزع أموالاً طائلة وصدقات عظيمة ، على سكان الحرمين الشريفين وفقراء الحجيج .
ثم يقول : ولم يسبقه في مثل هذا خليفة قبله ، وربما كان السبب في عنايته بالحج ، واهتمامه بالترفيه عن أهل مكة المكرمة والمدينة المنورة، أنه قد رأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام قبل توليه الخلافة فقال له : إن هذا الأمر صائر إليك ، فاغزو وحج ووسع على أهل الحرمين .
إن التدين في سلوك الرشيد لم يكن صلاة رياء أمام الناس ، ولا حجاً يباهي به في كل موسم ، أو صدقات يعلنها ليمدحه رجال الدين ، وإنما كان الوازع الديني يقظاً في سر الرشيد وعلانيته ، يكره المراء والجدال في الدين ، ينقاد للصواب كلما تبين له وجه الحق ، يعلّم الوعاظ كيف يعظون.
يذكر ابن كثير في البداية والنهاية : أن الرشيد كان يطوف يوماً بالبيت ، إذ عرض له رجل فقال : يا أمير المؤمنين ، إني أريد أن أكلمك بكلام فيه غلظة ، فقال له الرشيد : لا ، ولا نعمت بعيش ، قد بعث الله من هو خير منك إلى من هو شر مني ، فأمره أن يقول له قولاً ليناً .
أي بعث الله موسى وأخاه هارون إلى فرعون وقال لهما : ( فقولا له قولاً ليناً لعله يتذكر أو يخشى ).
ويروي ابن كثير أيضاً فيقول :
يروي أبو معاوية الضرير محمد بن حازم فيقول : كنت أجالس الرشيد ، وأروي له الأحاديث ، فما ذكرت أمامه كلمة ( النبي ) صلى الله عليه وسلم ، إلا سمعته يقول : صلى الله على سيدي رسول الله .
إذن لحساب من هذه الافتراءات ، إن الذين عنوا بنشر أخبار المجون عن السادة الشرفاء ، هم جماعة من الذين انهمكوا في اللذات المحرمة ، وأغرموا بهتك قناع المخدرات ، رغبة في التأسي بهؤلاء العظماء ، الذين صوروهم بالصورة التي أرادوها لهم ، حتى يجعلوا منهم قدوة لهم فيما يرتكبونه من الموبقات.
وأغلب الظن أن الذين تولوا كبر هذا الدس في حياة هارون الرشيد ، هم جماعة من الشيعة الذين كانوا حريصين على تلويث تاريخ الشخصيات العظيمة من العباسيين ، حتى يتقربوا إلى العلويين ، كما أن هناك طائفة أخرى من الشعوبيين الفرس ، الذين أصابتهم نكبة البرامكة بالحرمان من النفوذ والعطاء ( والبرامكة : ينسبون إلى خالد بن برمك ، وهو أول من تمكن منهم في دولة بني العباس ، وكان أبوه برمك من مجوس بلخ ) فأخذوا يتقولون على الرشيد ما لم يقله ، وينسبون إليه ما لم يفعله ، من الأمور التي تطمس محاسنه من صفحات التاريخ.
نقرأ كثيراً عن القادة والزعماء الأوربيين ، فلا نجد أحداً من المؤرخين يلقي بالاً لسيرته الشخصية ، فلا يحكم على الرجل إلا بما قام به من أعمال عامة تضر بالدولة أو ترفع من شأنها.
أما إذا قرأنا تاريخنا ، فإننا نرى العجب في العناية بالسير الخاصة والأخلاق الشخصية المحضة ، وأسرار بيوت الأعلام البارزين ، حتى ترى أنهم يدخلون في حجرة نومهم ، ليسردوا من أخبارهم ما لا يمكن الحصول معه على شهود يوثق بهم ، في مثل هذه الأخبار التي نسجوها من محض خيالهم .
ولو عرف أولئك المتزلفون ، أنهم زرعوا بذوراً لأعداء الإسلام ، مما جعلوا منه فيما بعد أشواكاً لوخز الإسلام في رجاله وأبطاله ، لما خطوا كلمة في ذلك.
وكل ما نرجوه من القارئ الواعي ، أن لا يأخذ هذه المنقولات على علاتها ، ويجب أن يضع نصب عينيه دائماً هذه الحكمة : إذا كان المتكلم مجنوناً ، فيجب أن يكون السامع عاقلاً.
ثم أترك الحكم للمنصفين من القراء العقلاء من أهل العلم والمعرفة ، ليقولوا في هذا الرجل كلمة التاريخ
.

اتمنى ان حيرتك قد انتهت