يا صاحبي السجن، إن كنتما لي صاحبين.. وما أظن ذلك.. سأخاطبكما كما يُخاطب الفرد، فلست أراكما اثنين إلا لأن العدد يقتضيه، أما في الفعل المستنكر والضمير الميت، فأنتما واحد، لا اختلاف بينكما يعتدّ به إلا كما بين الماء والماء، أو بين رماد ورماد قد سفته الريح!
قد علمتُ أنك تنهش في أكلة المنديّ تحت لثامك، وكأنّ جوعي لم يبلغك، فمتى يتنفس سخاؤك، ويُمطر كفّك بالجود؟!
ويحك.. ما كان بيني وبين شبعي إلا دعوة منك، فإذا مائدتك مثل ما بين اللسان والحنجرة، قريبٌ لا يُنال، وظاهرٌ لا يُطال، ثم تريد الاعتذار بخِلابة لسان، وتمويه بيان.. تقول وأنت تشاهدني ألوك الخبز مع بعض الجبن: قد ذكرتُ جوعك بعدما شبعنا ووقع القضاء!
عذرٌ أقبح من ذنب، وهل يُغتفر ذنب بالتغنّي بالاحسان؟!
ولو كان ابن الطائي مسلماً لترحمّنا عليه، ولكن ماذا نفعل وقد ذهب زمانه وأظلّنا زمانٌ مذهبه نفسي وبطني!
ومن أين نأتي ببدر بن عمار الأسدي الذي قال فيه أبو الطيب:
أَميـرٌ أَميـرٌ عَلَـيهِ النَــدى ... جَوادٌ بَخيلٌ بِأَن لا يَجودا
ولكنّي امرؤ لا ينسى الفضل، فقد ذكرتُ وليمتك لي في بلاد الأناضول.. سميتٌ وپپسي.. فلا أنساها لك، وقد سامحتك.