ارتجف الكتاب بيدها ,
رفعت رأسها ومدت يدها لتتناول منه فنجان القهوة ..
شيء ما تأجج في داخلها ..أنار كلّ أعماقها , وكأنما استيقظت شموس ربيعها بعد طول إغفاء ..

رائع هذا الشعور الذي طغى على قلبها وغشى كلّ كيانها ...
لا تدري كيف أمسكت بفنجان القهوة , وهل قالت شكراً أم لا ؟!! ..
أمّا طعم القهوة فلا تدري كيف كانت نكهته ؟! ..
أسمر كث اللحية أسودها ... لعينيه بريق شق صدرها وغار حتى حرك ذاك الساكن في أعماقها..
لا تنكر أنها مرت بمحطات في حياتها التقت بكثيرين ...لكن أحدهم لم يضيء روحها كما تشرق الآن ..

أزمنة الزرع وأزمنة الحصاد كثيرة ومتشعبة .. شرّقت وغرّبت .. عركت الحياة وعركتها ..فازت بشهادات
وفاز بها عمل أغرقت نفسها به عشقاً واتحاداً .....كلّ عام تكبر ومعها تكبر المسئوليات , حتى أن خيوط القرار
صارت تنتهي بتوقيعها ...

بيت جميل بنته , رائع خططت لكل ركن به .. أجمل أنواع الرخام ذاك البيج المعشق بالوردي لبسه منزلها حله ..
في أركانه حلت شجيرات زينه رائعة وتدلت من أسقفه ثريات أبدعت أيد نمساوية في صنعها ..

طاولت طعامها تمتد غدوة وعشية , للقليل تمتد يدها , لولا كبرياؤها لدعت الخدم ليدفئو المقاعد الباردة ..

محطات العمر كثيرة , ازدحم بعضها وأقفر البعض الآخر ....
الوالدان عادا لرحم أمهما الأرض , والأخوة والأخوات كل أينع غصنه وتجذر , إلا هي لازالت أرضها بوراً..

تمسح عينيها من تحت نظارتها ...فنجان القهوة ما أنفك بيدها اليمنى , وقد برد , شربته جرعة واحدة ...
مدت يدها له مرة أخرى , صب لها , أعطت نفسها فرصة أخرى لرؤيته جيداً وقراءة أسمه ....
" هل تزدهر أحلامها معه ؟ ! .. ربما ..."
دعت الآمال تدغدغ قلبها مستعذبة .. رسمت حروف أسمه على قلبها ...
- كمّ تكبره ...؟!
سؤال ألح عليها ....بدأت تجيب نفسها ....
- ربما أربع ...
لا ربما سنتين ...
ثم اختصرتها حتى كاد يوم مولدها يصادف يوم ميلاده ....من كيسها أخرجت مرآه صغيرة أطلت على وجهها .
- مشرقة لازالت ...
- لماذا لا يكون هذا الشاب من حظها ...." يده خالية من الخاتم ....لكن أغلب الرجال لا يلبسونه ...لا يهم "
ستبني أحلامها على أنه أعزب ...
تسترسل وعقلها يدور في البيت الرخامي ...كم يحتاج دفئا وحيوية ...كم يحتاج الأطفال يشعون بهجة به ..
"" أطفال "" .. تعصف الكلمة في رأسها ...تمد يدها تتحسس بطنها .. تعد سنيها .. ربما ثلاثة سترزق ..
_ ربما خمسة _ تبتسم بخجل ..إنها تحب الأطفال , وخمسة أفضل من ثلاثة ...

هو يروح ويغدو , يزرع بهجة وحيوية في الدرجة الأولى حيث تسافر هي ...
كم هو متوهج ورائع هذا المضيف ...المطار يقترب .. وصوته الدافئ الجهوري يعلن نهاية الرحلة
ويطلب ربط الأحزمة , ولا يدري أن هناك قلبا يبني أحلاماً عليه ... فرصتها لن تدعه يتلاشى ..
تخرج كتاباً من حقيبتها أسمها وعنوانها واضحان عليه , تتركه له في المقعد المجاور ...ينزل كل
الركاب , وتتهادى نازلة ... يلحقها صوته ...
- سيدتي ... سيدتي .... نسيتِ كتاباً ...
- تتماسك تمد يدها تستلم الكتاب ...
- ترد بتمتمة ( شكرا ً ) .