في قصيدة ( تحولات العاشق ) نقرأ أيضا ً :
أحوالي لم تستحكم فيك
أنا قرارك
مستنسخة عن النفري , بل إن العنوان نفسه ( تحولات العاشق ) يتضمن نَفَسا ً صوفيا ً فالتحوّل ممارسة صوفية إذ يرتقي العبد من مقام إلى آخر , ومن حال إلى حال .
ويمكن أن نسوق مثالا ً آخر من القصيدة نفسها :
أسمع أطرافك الهاذية
أسمع شهقة الخاصرة وسلام الأوراك
يغلبني الحال ُ
أدخل ُ صحراء الجزع هاتفا ً باسمك ِ
نازلا ً إلى الأطباق السفلى
في حضرة العالم الأضيق
أشاهد ُ النار والدمع في صحن ٍ واحد
أشاهد ُ مدينة العجب
وتسكر أحوالي
وهكذا يقول السيّد الجسد
هنا يستعير أدونيس جلسة صوفية كاملة , لكنها معكوسة , إذ بدل أن يتوجه العشق والشوق نحو الله فإنه يتوجه نحو الأنثى - الجسد , تبدأ الجلسة من السّماع والرقص الروحي كما يمارسه الدراويش ,
وصولا ً إلى الوجد وهو غلبة العاطفة في السّماع ما يقود إلى البكاء والجزع وإثارة الشجون , وحينها تهتف الروح باسم معشوقها وهو في الصوفية الذِّكر , أي ترديد اسم الله باستمرار
أو صيغ أخرى قريبة , ولكن بدل أن ترتقي هذه الروح نحو السماوات العلا كما هو الحال في الصوفية نجد الشاعر ينزل إلى الأطباق السفلى , فبدل سعة السماء نجد ضيق الأرض ,
وبدل الجنّة تأتي النار والأحزان , حينها يدخل الشاعر الأسود ُ مرحلة السّكر والتجلّي , عبادة الإله الجديد - الجسد .
وللحديث بقية إن شاء الله .