لقد اصطدم أدونيس وهو يحاور الصوفية ويحاول أن يُدخلها ضمن نسق المفهوم الجديد للشعر والكتابة , اصطدم - أول ما اصطدم - بمرتكزاتها الدينية , وهي مرتكزات - بحكم نشأتها وتاريخها

ومَدَاراتها وسياقاتها المتداخلة - ميتافيزقية متعالية بطبيعتها ووظيفتها , لا تستجيب للمنطق النقدي والمكان العلماني الذي يصدر منه أدونيس ليؤسّس عبره فكرته عن الشعري والجميل .

هذا الفصل الحاد والمتعسّف والواثق الذي تغيّاه أدونيس بقوة , بين الصوفية وجانبها الديني , لا يعدو في التمحيص أن يكون فصلا ً نظريا ً أكثر منه واقعيا ً , إنه فصل ٌ يسهل القيام به على الورق ,

وبجّرة قلم يمكن القول به , لكن الممارسة والفعل والتاريخ يرفضونه , ويتأبّى الخطاب الصوفي عليه بما هو خطاب العشق الإلهي والرغبة الوجودية في الفناء .

إن الكوجيتو الصوفي رأسي ٌ وبسيط ( أنا الله ) , بمعنى أن الوجود مرتبط بالله ولا وجود للكائن خارج هذا الوجود , هو المطلق الذي يحتويه , وفناؤه فيه هو عودة ٌ جنينية ٌ إلى الطينة

الأولى التي خلقها الله سبحانه بيديه , ونفخ فيه من روحه , فالصوفية بهذا المعنى الروحي المتعالي تنفلت ُ تماما ًمن أسر القراءة الوثنية - الوظيفية التي يعلنها أدونيس إزاءها ,

ويحاول عقلنة الصوفية عبرها , إنه يقرأها بوصفها تجربة بحث ٍ عن المجهول , أو تعلقا ً عاطفيا ً بالمطلق , دونما هدف أو غاية أو طريق , وهو ما يجعله يماثل بينها وبين

جنون الحداثة ممثلا ً في السوريالية , وتلك غلطته الأولى والأساسية .