محاسبة الحكام فرض وتركها حرام على المسلمين




لقد فرض الله سبحانه وتعالى على المسلمين محاسبة الحكام على اعمالهم وعلى تصرفاتهم، وامرهم امرا جازما بالتغيير عليهم، اذا هضموا حقوق الرعية او قصروا بواجباتهم نحوها، او اهملوا شأنا من شؤونها،او خالفوا احكام الاسلام، او حكموا بغير ما انزل الله، وهذا كله بين جلي في الايات الكريمة والاحاديث الشريفة، وفي واقع حياة المسلمين على مر العصور .

قال تعالى ﴿ كنتم خير امه اخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر ﴾وقال ﴿ ولتكن منكم امه يدعون الى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ﴾ ، فوجوب الامر بالمعروف والنهي عن المنكر دليل على وجوب محاسبة الحكام لان الامر به عام يشمل الامه جميعا ومنها الحكام .

فالله سبحانه قد طلب في هذه الايات وكثير غيرها الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقرن الطلب بقرينه تدل على الجزم، الا وهي الثناء على الامرين بالمعروف والناهين عن المنكر و‎بقوله ﴿ كنتم خيرا مه اخرجت للناس ﴾ وقوله ﴿ واولئك هم المفلحون ﴾.

والاحاديث الشريفة التي حث فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال « ستكون امراء فتعرفون وتنكرون، فمن عرف برئ، ومن انكر سلم، ولكن من رضى وتابع » ، فقد امر رسول الله صلى الله عليه واله وسلم الانكار على الحكام، واوجب هذا الانكار باى اسلوب من اساليب التعنيف والتبكيت، والحدة في القول والاغلاظ فيه . ولقداعتبر رسوله الله من لم ينكر على الحكام شريكا لهم في الاثم اذ قال : فمن رضى اى بما عملوه من المنكرات وتابع اى تابعهم على عملهم هذا ولم ينكر عليهم فلا يبرأ ولايسلم من الاثم، وجعل المسلمين الذين لا يحاسبون الحكام شركاء لهم في الاثم قرينة على وجوب محاسبة الحكام والتشديد عليهم وعدم التفريط بها .

اما واقع حياة المسلمين في مختلف عصورهم فمروية وثابته ومعروفة وكثيرة كثرة لا تكاد تحصى .

فقد ثبت ان المسلمين قد اعترضوا على رسول الله صلى الله عليه واله وسلم بوصفه رئيسا للدولة لا بوصفه رسولا .
في مواطن كثيرة :

ففي الخندق رفض سعد بن معاذ وسعد بن عبادة موافقة الرسول عليه السلام على اعطاء غطفان ثلث ثمار المدينة، وقال له سعد بن معاذ، "والله لا نعطيهم الا السيف "، فقال عليه السلام " انت وذاك " وعمل برأيهما .

وفي الحديبية اعترض عمر رضى الله عنه وكثير من المسلمين على رسول الله على موافقته على الصلح، وقال " علام نعطي الدنية في ديننا?" .

كما حاسب المسلمون الخفاء الراشدين وخلفاء بني امية وخلفاء بني العباس . فهذا عمر يمنع ابا بكر من بيع الثياب حتى يتفرغ لرعاية شؤون الناس .

‎وهذا بلال يحاسب عمر على ارض السواد حتى يقول عمر " اللهم اكفني بلالا وصحبه " .
وتأتي الوفود من الامصار لمحاسبة عثمان رضى الله عنه .
ويحاسب العبادلة الاربعة معاوية حسابا شديدا على اخذه البيعة ليزيد .

ويحاسب سفيان الثورى المنصور بقوله " اتق الله فقد ملات الارض ظلما وجورا " فيطأطىء " المنصور رأسه .

ويحاسب احمد بن حنبل المأمون على قوله بخلق القران .

فيا ايها المسلمون : هذه نماذج من محاسبة المسلمين الاوائل لحكامهم المسلمين، بمن فيهم رسول الله عليه السلام، الذى رعوا الرعية حق رعايتها، واوصلوا الدولة الاسلامية قمة المجد، فما بالكم تسكتون عن حكام يحكمونكم بالكفر، واذاقوكم الوان الذل والهوان ?

وما دريتم ان محاسبة الحكم فيها صلاح الرعية وخيرها، وفي تركها ضياع الرعية وظلمها، وتسلط الحكام عليها، واستبدادهم بها واستعبادهم لها كما هي حالكم في هذه الايام، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا قال « والذى نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر او ليوشكن الله ان يبعث عليكم عقابا من عنده ثم لتدعنه فلا يستجاب لكم » .
فالى محاسبة الحكام ندعوكم ايها المسلمون، ولا تبالوا بماقد يصيبكم في ذلك، ما دام الله قد جعل ثوابكم خيرا من ثواب الشهداء بقوله صلى الله عليه وسلم « سيد الشهداء حمزة ورجل قام الى امام جائر فنصحة فقتله » .