سدنة الموت
ليلة شتائية باردة، تتزاور فيها النجوم خلف غيمات تركم وجه السماء، صفنة الهواء تشارك الجنود صمتهم، منتصف الليل موعدهم .. بعض دقائق تحفل بهم وهم يراجعون أمرهم وقد تحلقوا حول بعضهم في خندق ضيق احتضن أجسادهم الفتية.
في ساحة الحرب يترجل الموت كفم جائع لدمائهم، ضاحكا من تصديقهم بالنجاة.
عند الموعد المحدد..خرج الجنود الأربعة لا شيء أمامهم غير الظلام، هاهم يركبون الموت دفعة واحدة.
ركلهم الليل في الأرض الحرام، بأسلاكها الشائكة وألغامها المتناثرة تحت التراب.. وليس سوى موضع قدم يمرون من خلاله، بلا ضوء يدلهم عليه.
سارآمر المجموعة أمامهم فهو أكثرهم خبرة بممرات تلك الأرض كما لو انها طريق سالكة تعود مرورها.
تقاطروا خلف بعضهم .. والموت يحوم حولهم، أمامهم العدو، ومن خلفهم فرق الاعدامات ؛ لاهرب فالمتخلف يُطلق عليه الرصاص.
مر من الوقت نصف ساعة حتى وصلوا مكان الرصد، جثوا خلف تلة صغيرة، عشرات الأمتار تفصلهم عن العدو .
مكان موحش ساده الهدوء والسكون، تدافعت نحوهم نسمات برد قارصة.
لا يبدو انهم نائمون فليس هذا معقولاً، لعله كمين توخوا الحذر.. هكذا همس آمر المجموعة لرفاقه .. ثم أمرهم برصد المكان ثانية .. لا شيء يظهر في النواظير الليلية.
لا أصوات ولا مصابيح، ليس سوى خيمات متناثرة،كاشباح سوداء لايتحرك منها سوى ماحركته نسمات الهواء.
أرسلوا إشارة لاسلكية الى آمر الوحدة ..حدد مكانهم، ثم أمر بتسليم الاحداثيات لكتيبة المدفعية.
بعد دقائق.. هطل المطر ومعه هطل وابل من القذائف حتى الفجر، عندها توقف وما توقف هطول المطر.
افتقدوا دورية الرصد التي لم تعد.
اندفع الآمر بجنوده نحو العدو، فوجدوه منسحبا في أول الليل مموها ببعض الخيم التي احرقتها نيران المدفعية، أفلح المطر في اخمادها.
فتشوا عن الجنود الأربعة، ذهبوا خلف التلة الصغيرة.. لم يجدوا لهم أي أثر!
حين أشرقت الشمس كان الموت قد أطبق فمه وهو يلوك شيئاً ابتلعته الأرض.
محمد مشعل الكَريشي / 17-10-2013



رد مع اقتباس
