المعري ذلك العلم الشامخ ، ففي كل فن من فنون العربية له مآثر ، ولنتأمل وقوفه على هذه الأبيات لندرك حسّه الأدبي فنراه دائما في القمة .. فقد نقل الحافظ اليعمري أن أبا نصر المنازي واسمه أحمد بن يوسف دخل على أبي العلاء المعري في جماعة من أهل الأدب فأنشد كل واحد منهم من شعره ما تيسر فأنشده أبو نصر:

وقانا لفحة الرمضاء وادٍ ... سقاه مضاعف الغيث العميم
نزلنا دوحه فحنا علينا ... حنو الوالدات على الفطيم
وأرشفنا على ظمأٍ زلالاً ... ألذَّ من المدامة للنديم
يصدُّ الشمس أني واجهتنا ... فيحجبها ويأذن للنسيم
يروع حصاه حالية العذارى ... فتلمس جانب العقد النظيم

فقال أبو العلاء أنت أشعر من بالشام.

ثم رحل أبو العلاء إلى بغداد فدخل المنازي عليه في جماعة من أهل الأدب ببغداد وأبو العلاء لا يعرف منهم أحداً فأنشد كل واحد ما حضره من شعره حتى جاءت نوبة المنازي فأنشد:

لقد عرض الحمام لنا بسجعِ ... إذا أصغى له ركبٌ تلاحى
شجى قلب الخلي فقيل غنى ... وبرح بالشجيِّ فقيل ناحا
وكم للشوق في أحشاء صبٍّ ... إذا اندملت أجدَّ لها جراحا
ضعيف الصبر عنك وإن تقاوى ... وسكران الفؤاد وإن تصاحى
بذاك بنو الهوى سكرى صحاةً ... كأحداق المها مرضى صحاحا

فقال أبو العلاء ومن بالعراق عطفا على قوله من بالشام انتهى.

عن كتاب"ثمرات الأوراق"لابن حجة الحموي