كن لي

ذات سفر في دروب العمر ،وجدتني أقتفي خطوات قلبي بعد أن فقدته في إثرك،تتبّعت شذى الياسمين فألفيت نفسي بين جنبيك، و كنت قد نسيتها في داخلي، أمسكتُ يد الفرح، و عانقتُ حلمي، فمذ أحببتك غادرني يأسي الذي كان قبلًا يسكُنني، فَردمتُ في قبو الحزن نصف ذاكرتي، بضع حسرات و ألف خيبة، و ودّعت وهمًا كنت أظنه حبًّا، فما عرفت الحبّ إلا على يديك. هو أنت فقط من يصغي لهذياني و يطيق جنوني. يفهمني دون كلام مني، و لأنهم فقط يحبّون ضحكتي أحببتك أنتَ؛ لأنك تكفكف دمعتي قبل أن تلمس خدّي، فالحياة علّمتني أن ّالذي لا يفر من قلبي الحزين،وحده الذي يستحق أن يرى الفرح في عيني.و يقاسم روحي السكن و الهواء .
جعلتني كلّ يوم أحبّك أكثر،و أريدك أكثر،فو الذي سكب روحك في روحي ،لو كان الأمر بيدي لوهبتك عمري، و أفرغتُ في قلبك قلبي لأموت قبلكَ ، فلا تشهد الدّنيا فجيعتي فيكَ،فيا أقرب من نفسي إلي مدّ شراعك ،و لنمض معًا، لا وقتَ للتردد ،لا وقت للانتظار، هذا الزّمان يُسابق أعمارنا ، و عمر الفرح قصيرٌ قابل للعّد..نبضة ، نبضتان ،قد لا يجاوز صداها أعماقنا ؛رغم أن الفرح قابل للتمدد، و الانتقال من قلب لآخر،غير أنّ يد الأسى سريعة في اقتناص البسمة قبل أن تلتصق بالشفاه،
هو الخوف من تربص الحساد بنا يؤرقنا،ويأكل من رغيف آمالنا بنهم شديد، هو سوسة تنخر جذع الأماني، فخذ بيدي نكاية بكلّ مشّاء بالنّميم بيننا،و لنقذف بزيف أحاديثهم إلى واد سحيق، فحبّنا يقين لا تمسه الظنون .
يا صاحبي إنّ للحزن جلجلة صاخبة في الرّوح،تخرس كل الأصوات من نغمة العشق، و همس الشغف ، بحّة الوجد في حنجرة الحنين،و إنّ له ريحا عاتية تخمد كلّ فتيل فرح فتحيل الجسد جمادًا، و تقيّد اللسان،فلا يستطيع نطقًا، و ان نطق لا يكاد يبينُ،فكن لي ظلا ،و أنفاسا ، كن قرين الفرح و استوطن فؤادي،كن في دمي مسافرًا في رحلة لاتنتهي ،تبدأ من الوريد لتصل إليه ثم تنطلق من جديد، أقم مدينتك بين ضلوعي ،و هات قبضة من وهج الشمس أصنع منها شمسا أخرى؛ أخبئها في قبو ذاكرتي ذخرًا لأيام الغياب لو طال بك المكوث في دهاليزه ،و أعياك العناد المقيت، فربّما تتفتّح عيناك على وميض شمسي فتعود إلي ملقيًا خلف ظهرك حقائب الرحيل ،
كنْ لي أملا تتجدد خلاياه بين كل خفقة و أخرى، قد يسرق الموت أنفاسنا قبل أن ننعم بلحظة لقاء تمسح عن ناصية الانتظار سديم المحطات،فالموت يأتي بغتة لا يقبل التأجيل ،فهات يديك نجتاز بروج الحزن ،نتخطّى سدود البعد،عابِرَين صراطًا مُمهّدا بعوسج الوشايات بكل ثبات، ولا تدع سوسة الشك تنخر جذع الصّبر المتين ، ولا تجزع فحبّي ليس ممرّدًا من قوارير حتى أهاب حجارتهم ..حسبي أنّ روحك قاطنة في روحي.و أننا نسقى من كأس واحدة .