أّقِلُّوا علينا في الملامة وارفُقُوا
وقبل صدورِ الحكمِ منَّا تحَقَقُّوا
أنا أسدٌ أضحى أسيرَ غزالةٍ
فتسلبهُ لباً وقلباً وتسرقُ
إذا الحبُ يومًا قد تَمَلَّك من فَتىً
يذوُب كما تَبْلَى الثيابُ ويخلَقُ
فمن ذا يلومُ المرءَ عمَّا يصيبُهُ
إذا زارهُ ظبيٌ جميلٌ وواثقُ
إذا ما مشتْ وسطَ الفيافي إذا بها
يهيمُ لها نخلُ الفيافي ويورقُ
إذا أقبلتْ بدرٌ تنيرُ ظلامنا
وشمسٌ تضيءُ الدربَ عندي وتشرقُ
أُحِسُّ بها قبلَ القدومِ كأنها
يفوحُ أريجٌ في هواها ويعبقُ
وهل لؤلؤٌ ينسابُ منها أم انَّهُ
جداولُ منها باللجينِ ترقرقُ
حنانٌ كمدِّ البحرِ فاضَ على الدُّنا
كأُمٍّ رءومٍ بل أحنُّ وأَرْفَقُ
وأرغبُ أن أبقى قريباً لقلبها
كطفلٍ رضيعٍ للحبيبِ وألصقُ
فهل لي بشَقِّ الصدرِ حتَّى أصونها
وأُسْكِنَها بين الضلوعِ وأُغْلِقُ
عيونكِ بحرٌ كُنْتُ أخشى دخولهُ
جـميلٌ وجذَّابٌ وعذبٌ ورائقُ
كُسِيْتِ بياضًا كالحليبِ مُكَرَّرًا
تمنيتُ أنْ أَهْوِي على الكأسِ أَغْبِقُ
إذا ما رأتها العينُ زاغت وأجفلت
وأُمْطِرُ من فوقِ الجبينِ وأعرقُ
أقومُ إليها والهَ القلبِ شاردًا
كأنِّي حديثُ السنِّ صَبٌ مراهقُ
أغضُ عيوني عن حبيبي خشيةً
فأُبْعِدُ عيني والجفونَ أُغَلِّقُ
وأُمسكُ أطرافي وأكبتُ حاجتي
وإن كان قلبي للأحبةِ يعشقُ
عقدتُ لجامًا للسانِ يَذُودُهُ
عن الشعرِ فيها والنسيبِ ينمقُ
ولكن قلبي يسكبُ الشعرَ جملةً
عليها كما يعطي السخيُّ ويغدقُ
فحبي عفيفٌ لا يقاربُ زلةً
وقلبي أسيرٌ في الهواءِ معلقُ
وإن كان بعضُ العاشقينَ استمالهم
هواهم فخاضوا في الذنوبِ وأغرقوا
وإنَّ حبيبي اليومَ مثلي متيم ٌ
ولكنَّه يبني السدودَ ويغلقُ
فإنَّا إذا في القربِ والبعدِ نكتوي
ونبكي علينا بالدموعِ ونشفقُ
ولا تشتهي زادا ولا هي ترتوي
ببعدي عليها ظاهرُ الشوقِ محرقُ
تقولُ أراكَ صرتَ بي مُتَأَثِّمًا
ومثلكَ لا يختارُ ذنباً ويغرقُ
وإنَّيَ أيضًا لا أقارفُ زلةً
.
فقلبي موصولٌ بربِّي وإنْ نكنْ
إلى بعضنا بعضًا نميلُ ونعشقُ
فقلتُ لها لا تكثري اللومَ واسمعي
أَتَتْـِنيَ أفكارٌ تلوحُ وتبرقُ
إذًا نلتقي في اللهِ نحملُ هَمَّنَا
إليه عسى يرضى الكريمُ ويشفقُ
فنحفظُ قرآنًا وندرسُ سنةً
نخوضُ بحارَ العلمِ والفقهِ نغرقُ
أيا راكبين للحبيبِ صِفُوا لَهُ
عذابِي وحالي في البعادِ ووثِّقُوا
حياتي في بعدِ الحبيبِ كأنها
يهيمُ بها البومُ الحزينُ وينعقُ
ويا دارَ أحبابي فَكُنْ لي بَرِيْدَهَا
وطمئنْ فؤادًا في المدامعِ يغرقُ
ألا رُدَّ قلبي أو تعهدْ بصونِهِ
فقد صارَ من فرطِ الجوى يتشققُ
نعيشُ نُرَجِّي للوصالِ سبيلنا
ومِنْ بيننا سدٌ منيعٌ وعائقُ
فإن كانَ في الدنيا الوصالُ مُنِعْتُهُ
عسى نلتقي لـمَّا تقومُ الخلائقُ
بيومٍ يلقَّى الناسُ فيه كتابهم
لهم فيه موجودٌ شهيدٌ وسائقُ