أدْمنتَ يا ليلُ في زهوٍ طواسيني
حتّى ملائكتي تغوي شياطيني
فالأرض لعبةُ مَنْ غالى يمالقني
و الأفق لعبة مَنْ بالإفك يغريني
والغيم حبلى لديه إذ تلفّعه
لا تمطر الأرض إلاّ من شراييني
والنجم فـي سهدي أقررتُ سهوته
والبدر من مقلتي قد باتَ يهديني
و الشمس لو غربتْ عن دكنتي فَرَقاً
ألوى ضفائرها للشرق طاسيني
والدرب مهما ادلهمّ الليل يحجبه
عن ناظـري شرقتْ فيه أظانيني
والبحر من مدمعي فاضتْ روافده
و الموج من غضبي قد زلّ عن ديني
والريح من رئتي تذكي عواصفها
لا تحمل العطـر إلا من رياحيني
و القبر أعرفه لم أخش ظلمته
عاهدتُهُ رحماً من بدء تكويني
والغيب أقرأه في نبض ذاكرتي
أُشهدتُ فكرتَهُ مِنْ قبل تلقيني
أنا المهيمن في بدء إلى أبدٍ
قوّمتُ من أزلي كلَّ الموازين
والناس أجمعهم رقّاص بوصلتي
أدناهمُ للثرى أو قاب قوسين
ما بالهم كلما أعليتُ ناصيتي
يقوم أسخفهم بالحمق يهجوني
جازيتُ شاعرهـم صمتاً يِؤرّقهُ
طهّرتُ بيتيّ من رجس الملاعين
حتى غـدوتُ أصمّا عن مقالتهم
أضحى الـذي قيلَ عنّي ليس يعنيني
ما بال حسنائهم ظلّتْ تراودني
حين امتنعتُ سختْ بالفحش ترميني
همّتْ فقلتُ معاذ الله سيدتي
تمهّلي إنّه ربّي فخلّيني
جُنّتْ وغَلَّقتِ الأبواب من شبقٍ
تقول بل هِيْتَ أو سجناً فيؤويني
سابقـتُ للبـاب إذ ألفيـتُ سيّدنا
تـقول راودني هذا الفتى الدونـي
ثلاث أقمصـة قُدّتْ على جسدي
أهديتُهـا للتـي بالحسـن تغويني
فـلا يبـرأ ذئبـا كــان متّهما
إلا قميصـي تـنـزّى من دمٍ جون
حتـى يبرأنـي مـمن تـراودني
إذ قُـدّ مـن دبـرٍ تلكمْ براهينـي
من عهد يوسف من سجني أخاطبكم
هذا قميصي الذي يفضي لعينين
هـذا قميصـي ضعوه فوق أعينكم
عَسَاهُ يبصركم زيـف النياشيـن
فكلّمـا زارنـي السجـان يسألني
بـأنْ أفسّــر أحـلام المساكيـن
بنسجها عنكبوتُ الشرّ قد ضربتْ
عليهـمُ وصواليـجُ الفراعيــن
فقلتُ أطلق سراحي قال ذاك هرا
فليس في مستطاعي وِردُ سجّين
نـحن السجينـان أما الموت أو نفقٌ
فيه احتماءات يأجــوج و قارون
فكيـف أطلـق من كانتْ أناملـه
بالشمـس تزوي رؤوسـًا للشياطين
ألـزم مكانـكَ إذ دنيـاكَ منْتنـة
تزاحمـتْ حولهـا كـلُّ الشواهيـن
أقـولُ أطلـقْ سراحي في مجازفـةٍ
إنّـي توعـدّتُ أعْتَاهـمْ بغسليـن
فقـالَ مهلا أفـقْ كلّ الضعاف هنا
للذبـح سيقـوا خرافـا بالملايـين
يساق نصفُ شعوب الأرض في نسقٍ
وأطعمـوا النصـفَ تفـّاح المجانين
لا يعجـز الغـرب شيء رامه أبدا
إلا تــفنّن في سنّ القـــوانين
مهما توعدّتَ يا ابن الأرض غُولتها
فـالأرض محمولةٌ في كـف ملعون
فقلـتُ أطلق سراحي ليس يردعه
إلا إذا تشعـلُ الدنيـا طواسينـي
ماذا عليـكِ إذا بالنبض عدتُ إلى
قلـبٍ بـصدر نذير الغيب مدفون
إني على قـدر و السجن ينبذنـي
صوب العـراء هنا كالحوتِ يلقيني
نُبذتُ من بطنه أصْطكُّ من ريـبي
أستوجـسُ الرمـلَ ملتفّـا بيقطيني
ما هذه الأرض ؟ قد زمّتْ خلائقها
صارتْ مقابـرهـا نتح البساتين
ماذا ؟ أطافَ عليها طائفٌ قَـدِرٌ ؟
فأصبحـتْ كصـريم للفـريقيـن
كيف استحالتْ بفعل الجن أم بشرٌ
عقابـهم كـان مـن شرّ البراكين
طوّفتُ وحدي يغذي خافقي أمـلٌ
فلـم أجـدْ أحـدا فيهـا يسلّيني
لاحـتْ لعيني بـها أشبـاح أنسنة
سابقـتُ خطـوي إليها كالمجانين
مازلتُ أوجسُ في نفسي على حردي
من شكلهـم خيفـةً للوهم تدنيني
إنسـانُ عصركِ يا أرضـي كأحجية
سوّيـتُهُ فاستوى بالـماء والطين
أسكنتُـهُ فكـره يلهـو به ثـملا
غطيـتُ عورتَـهُ من دوحة التيـن
أنسيتُـهُ خلقَـه من بعـد تـجربة
قد كـان أولـها من قبـل عشرين
قد غـرّه الخلـد تفاحـا تـمنّعهُ
حتـى استبـدّ بـهِ ميـن الشياطين
لا حـلّ إلا كتـابٌ صـحّ أجمعه
مـازال أعذبـه بالنبـض يسقينـي
أحمـلْ إليهم خطابي ما مكثتُ هنا
إنّ الحياة تواري مَنْ يواريني