إِذا انتَهى الأجَلُ، وكُنتُ الرّاحلَ بَيْنَكُم،
فلا تُوَدِّعوني بِدَمعَةٍ تَسكُنُ الأَجفانِ، ولا بِكَلِماتٍ تَختَنِقُ في الحَناجِر.
دَعوا الحُزنَ يَـمضي، واترُكوا لِقَلبي مَقامًا في الضِّياءِ، لا في الظِّلالِ.
فأنا لَم أَكُن سِوى حُلمٍ عابِرٍ، تَلأْلأَ في لَيلِكُم كالنَّجمِ، ثُمَّ انسَدَلَ.
لا تُقَيِّدوهُ بِالفَقدِ، بَل أَطلِقوهُ حُرًّا في فَضاءاتِ الذّاكرَةِ.
اترُكوني كما تَترُكُ الرِّيحُ وَردةً على عَتبَةِ الفَجرِ،
كما يَترُكُ البَحرُ لَمساتِهِ على الرِّمالِ وإنِ انسَحَبَ،
كما يَترُكُ الرَّبيعُ عِطرَهُ في الزَّهرِ،
والأَمَلُ إشراقَةً في قُلوبٍ طالَها العَطَشُ.
لا تَذكُروني بِالحُزنِ، بل بِتِلكَ الضَّحِكاتِ الّتي سَكَبناها بِأَيدينا،
وبِكُلِّ لَحظَةٍ نَسَجناها مَعًا كأَنَّها بَيتُ شِعرٍ لا يُنسى.
اترُكوا لي أَثَرًا في الزَّمَنِ لا يَمحُوهُ الغِيابُ،
كما تَترُكُ النُّجومُ لَمعانَها في عُمقِ السَّماءِ،
وكما يَترُكُ الحُبُّ نَبضًا لا يَخبُو في قَلبٍ أَحَبَّ بِصِدقٍ.
سَتَجِدونَني في كُلِّ لَحظَةٍ تُعانِقونَ فيها الحَياةَ،
وفي كُلِّ ابتِسامَةٍ تُولَدُ مِن نَبضاتِ الفَرَحِ،
وفي كُلِّ طِيبَةٍ تَنثُرونَها على دُروبِ العابِرينَ.
تَذَكَّروني كما يَتَذَكَّرُ الزَّهْرُ عَبيرَهُ،
كما تَتَذَكَّرُ السَّماءُ نَجمًا لَم يَأفِلْ،
وكما يَتَذَكَّرُ القَلبُ مَن سَكَنَهُ دونَ وَداعٍ.
أنا الطَّيفُ الّذي لا يُغادِرُ الذّاكرَةَ،
والعِطرُ الّذي لا يَزولُ مِن الأَمكنَةِ،
والكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ الّتي تَظَلُّ حَيَّةً في الصَّدى.
وَإِن مَرَرتُم يَومًا بِطَريقٍ مَرَرتُ بِه،
أو رَفَعتُم عُيونَكُم نَحوَ السَّماءِ،
دَعوني أَكونِ النَّجمَ الّذي لا يَغيبُ،
والأَثَرَ الّذي لا تَذرُوهُ الرِّياحُ،
والمُحِبَّ الّذي يَظَلُّ حاضِرًا رغمَ الرَّحيلِ.