طَويلاً كنتُ أكتُبُ عن الوَجَع،
كأنَّ الحُزنَ أرضي التي لا مَفرَّ منها،
أحرُثُها بأصابِعي، وأسقِيها من دَمْعي،
وأُزيِّنها بذكرياتٍ لا تذبلُ وإن ماتَت.
كُلُّ حرفٍ كانَ جُرحاً صغيراً أُضَمِّدُهُ بالحِبر،
أُحاوِلُ أن أُقنِعَ القَلبَ أنَّ البُكاءَ طُهر،
وأنَّ الشّقاءَ لَونٌ مِن ألوانِ الحَياة.
لكنَّ الصَّباحَ أتى هذا المَرّةِ مُباغِتاً،
تسلَّلَ مِن نافذةٍ في روحي
نسيمٌ يحملُ عِطْرَ البِداية،
فأفاقَ القَلَمُ في يدي، وارتجفَ فرحاً.
لم يَعُد يَخطُّ شِكوى،
بل يَنثُرُ ضِحكاً على أطرافِ الورق،
ويروي حكايةَ قلبٍ تَعلَّم أن يُحِبَّ النُّور دونَ أن يَلعَنَ الظَّلال.
اليومَ لا أكتُبُ عن الوَجَع، بل عن النَّجاةِ مِنه،
عن السَّلامِ الَّذي يسكُنُ الصَّدرَ كَنُورٍ أُعِيدَ إليه حَقُّ الإشراق.
فالحياةُ لا تُهدينا الفرحَ صدفة،
بل تُخفيهُ في طيّاتِ الصبر،
وفي الزوايا الهادئةِ من النّفس التي عرفت كيف تُسلِّم أمرها لله دون أن تستسلم.
وحين نتعلّمُ أن نبتسمَ رغم الخذلان،
أن نُصافِحَ الغيابَ بلا وجَل،
أن نغفِرَ لأنفسِنا قبل الآخرين
حينها فقط،
نُدرِكُ أنَّ الفرحَ لا يأتي من الخارج،
بل ينبُتُ من قلبٍ شَبِعَ وجعاً،
فعرفَ قيمَةَ السَّلام.