أحدث المشاركات
النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: مَا يَتْرُكُهُ العَابِرُونَ

  1. #1

    افتراضي مَا يَتْرُكُهُ العَابِرُونَ


    يَمُدُّ اللَّيْلُ رِدَاءَهُ الثَّقِيلَ عَلَى صَدْرِ الدُّنْيَا، كَرَاهِبٍ عَتِيقٍ يَجُرُّ سُبَحَاتِ الصَّمْتِ فَوْقَ طُرُقَاتٍ أَنْهَكَهَا النَّهَارُ.

    تَتَدَلَّى مِن نَافِذَاتِ البُيُوتِ أَنْفَاسُ العَابِرِينَ؛ كُلُّ نَفَسٍ قَصِيدَةٌ نَاقِصَةٌ تَبْحَثُ عَنْ شَاعِرِهَا، وَكُلُّ قَلْبٍ نَافِذَةٌ تُطِلُّ عَلَى هَاوِيَةٍ أَوْ نَجْمَةٍ.

    تَغْفُو المَدِينَةُ كَمَنْ فَقَدَ ذَاكِرَتَهُ، وَمَعَ ذَلِكَ تَظَلُّ عُيُونُهُ مُفْتُوحَةً، تَتَرَقَّبُ خُطَى العَابِرِينَ الَّذِينَ يَجُرُّونَ ظِلَالَهُمْ الطَّوِيلَةَ كَمَا تُجَرُّ سَلَاسِلُ الأَسْرَى.

    هُنَاكَ، حَيْثُ تَتَقَاطَعُ الأَزِقَّةُ الضَّيِّقَةُ، يُولَدُ الحَنِينُ فِي صُورَةِ رِيحٍ عَابِثَةٍ، تَحْمِلُ عَلَى ظَهْرِهَا رَوَائِحَ الخُبْزِ الطَّازَجِ، وَصَوْتَ بَائِعٍ يُسَاوِمُ الزَّمَنَ عَلَى بَضَاعَتِهِ.

    وَحِينَ يَجِيءُ الغَرِيبُ، يَظُنُّ أَنَّ المَدِينَةَ تَبْتَسِمُ، غَيْرَ أَنَّهُ إِنْ أَرْهَفَ السَّمْعَ، سَيَسْمَعُ أَنِينَ الحِجَارَةِ، وَارْتِعَاشَ المَصَابِيحِ، وَنَشِيجَ الأَرْصِفَةِ الَّتِي تَعِبَتْ مِنْ حَمْلِ خُطُوَاتٍ لَا تَحْفَظُ وَعْدًا.

    أَنْتَ، أَيُّهَا السَّائِرُ فِي بُعْدِكَ، هَلْ تُدْرِكُ أَنَّ الكَلِمَاتَ الَّتِي تُلْقِيهَا كَالْحَصَى فِي البِئْرِ تَتَحَوَّلُ فِي الأَعْمَاقِ إِلَى نُجُومٍ سِرِّيَّةٍ؟

    هَلْ تَعْرِفُ أَنَّ قَلْبَكَ، وَإِنْ تَظَاهَرَ بِالبُرُودِ، لَيْسَ سِوَى قَنْدِيلٍ مَكْسُورٍ يُحَاوِلُ إِشْعَالَ فَتِيلٍ مِنَ الذَّاكِرَةِ؟

    اِمْضِ إِذَنْ، فَاللَّيْلُ لَا يَتَّسِعُ إِلَّا لِمَنْ يَجْرُؤُ أَنْ يَكْتُبَ عَلَى جُدْرَانِهِ وصِيتَهُ: أَنَّ الحَيَاةَ، رَغْمَ خِيَانَاتِهَا، تَظَلُّ قَصِيدَةً بِلَا خَاتِمَةٍ، تُقْرَأُ مَرَّةً، ثُمَّ تُتْرَكُ مَفْتُوحَةً إِلَى الأَبَدِ.
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  2. #2

    افتراضي

    نثرية جميلة بشاعريتها ولغتها وصياغتها
    لا تحكي حكاية أحداث بل ترسم أثر العابرين في المدينة والزمن
    ما أجمل هذا التعبير (يَمُدُّ اللَّيْلُ رِدَاءَهُ الثَّقِيلَ عَلَى صَدْرِ الدُّنْيَا،
    كَرَاهِبٍ عَتِيقٍ يَجُرُّ سُبَحَاتِ الصَّمْتِ فَوْقَ طُرُقَاتٍ أَنْهَكَهَا النَّهَارُ.)
    فالمدينة هنا كائن حي أنهكه النهار يبدو نائما ولكنه واع يراقب بصمت

    ومن نوافذ البيوت نرى أنفاس العابرين في حياة الآخرين
    دون التزام أو وفاء فتترك قصائد ناقصة وقلوبا مفتوحة على هاويةأ و أمل
    وتغفو المدينة ولكنها تظل مترقبة خطوات العابرين على ظهرها
    وفي الأزقة الضيقة يولد الحنين من تفاصيل صغيرة مثل رائحة الخبز أو صوت
    بائع ينادي على بضاعته.
    فإذا جاء الغريب يظن من هذه الظواهر إن المدينة جميلة وسعيدة،
    ولكن لا يسمع صوت الأنين والألم من كثرة الراحلين الذبن لا يحفظون الوعود.
    ثم تتحول النثرية غلى مخاطبة المتلقي
    فتقول: هل تدرك ان كلماتك ليست عابرة بل تترك أثر دائم
    وقلبك مهما تظاهر بالبرود يحمل ذاكرة تحاول أن تضئ.
    إن الحياة ليست قصة مغلقة بل قصيدة بلا نهاية نمر بها مرة واحدة ـ
    ونتركها مفتوحة بما خلفناه فيها.
    النَّص يسألنا: هل نمر في الحياة بلا مسئوولية أم نعي أن كل خطوة وكل كلمة
    تكتب حزء من مصير لا يمحى؟
    فلسفة عميقة أرهقني جدا فهمها ـ فهل وصلت للمعنى أم لم أصل؟؟
    النص يبقى جميلا جدا لأنه استعصى
    فبعض الكتابة لا تفهم .. ولكنها تسكن.
    تحياتي وودي.
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعينقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي