عرفنا أن عناصر نظرية العامل أربعة ذكرت منها ثلاثة هي(المعمول والعمل وأداة العمل) وأذكر الآن بإذن الله تعالى(العامل).
العامل
العوامل عددها تقريبا مئة عامل لكن يمكن تلخيصها في(الفعل وبعض الأسما وبعض الحروف واسم الفعل)واسم الفعل مثل(صهْ)بمعنى اسكت فهذه الكلمة(صه)أشبهت الاسم في أنها لاتقبل علامات الفعل أي لاتقول(ياسعاد صهي ويا رجلان صها ويارجال صهوا ويانساء صهن)مثل أنك تقول(ياسعاد اسكتي ويارجلان اسكتا ويارجال اسكتوا ويانساء اسكتن)وأشبهت الفعل لأن معناها هو الفعل اسكت ويقال أنك إذا قلت(يازيد صهٍ)بالتنوين فالمعنى اسكت عن كلام معين مثل أن يقول زيد بأنه سيشتم عمرا فتقول له(صهٍ)أي اسكت عن هذا الكلام شتم عمرو وإن قلت(يازيد صهْ)بدون تنوين فالمعنى اسكت فلا تتكلم بأي شيء مثل أنك تتكلم مع شخص في الجوال وزيد يتكلم بصوت مرتفع فلم تستطع أن تفهم مايقول من يتكلم معك في الجوال فتقول له(يازيد صهْ)أي اسكت لاتتكلم.
أولا : الفعل
هو أصل العوامل إذ الأصل في الفعل أن يعمل وإذا كان هناك فعل لايعمل فيكون هذا بسبب مثل(زيدٌ مجتهدٌ ظننتُ)يجوز أن تنصب(زيداً مجتهداً ظننتُ)ويجوز ألا تنصبهما لأن معمولي الفعل ظن أي مفعولاه اللذان أصلهما مبتدأ وخبر قد تقدما عليه وهذا خاص بأفعال باب ظنَّ لأن مفعوليها أصلهما مبتدأ وخبر .
أو نقص الفعل في العمل رتبة مثل أن يكون أن يكون ينصب مفعولا به واحدا ثم يحذف هذا المفعول بغرض إنقاص الفعل رتبة وجعلة لازما لاينصب مفعولا مثل(إذا ضربت فأوجع)مفعولا(ضربت وأوجع)محذوفان على غرض إنقاص الفعلين رتبة في العمل فلاينصبان مفعولا لجلب معنى(إذا كان منك ضرب فليكن منك إيجاع)ولو ذكرنا هذين المفعولين لما كان هذا المعنى مثل(إذا ضربت زيدا فأوجعه)صار الضرب والإيجاع مخصوصان بزيد .
الفعل(كان)إنما عمل في الجملة الاسمية المكونة من المبتدأ والخبر لأن مرفوعه هو منصوبه تقول(كان زيدٌ مجتهداٌ)زيد هو المجتهد والمجتهد هو زيد .
مسألة: هل الفعل الناسخ(كان)فيه معنى الحدث أم هو زمن فقط؟
الجواب:هذه مسألة مختلف فيها لكن شيخ البلاغة الشيخ عبدالقاهر الجرجاني يقول بأن(كان)ليس فيها معنى الحدث.
سرح ذلك أنك إذا قلت(ضرب زيدٌ عمراً)فإن مرفوع الفعل(ضرب)ليس هو منصوبه أي أن زيدا ليس هو عمرا وسبب ذلك أن الفعل(ضرب)فيه معنى الحدث أي(الضرب)والضرب يلزم ضاربا ومضروبا ومن هنا صار مرفوع الفعل ضرب ليس هو منصوبه أما الفعل(كان)فليس فيه معنى حدث مثل معنى الضرب الذي في الفعل(ضرب)إنما فيه معنى(اتصاف المبتدأ بالخبر كان في الزمن الماضي)أي إذا قلت(كان زيد مجتهد)فالفعل(كان)ما أضاف على جملة(زيد مجتهد)إلا معنى أن اتصاف زيد بالاجتهاد(في الزمن الماضي)فإذا قلت(سيكون زيدا مجتهدا)فالمعنى هو أن زيد سيتصف بالاجتهاد في المستقبل .
لاحظ الجملة(كان زيدٌ مجتهداً)أليس الحدث هو الاجتهاد وأن كان فيها زمن فقط اي بدون معنى الحدث أي الفعل الذي يحدث فكأنك قلت(اجتهد زيد)أي في الزمن الماضي . لكن لما قلت(زيد مجتهد)فإن المعنى هو أنه مجتهد في الحال(أي وقت زمن التكلم بهذه الجملة)فإذا أردت نفي اجتهاده في الحال قلت(كان زيد مجتهداً)فنفيت اتصاف زيد بالاجتهاد في الحال أي وقت التكلم لما جعلته في الزمن الماضي فكان إنما هي زمن لاحدث فيه لكن الفعل(ضرب)فيه شيآن(معنى الزمن الماضي وهو قادم من صيغة الفعل أي ضرب ولو قلت يضرب فإن الزمن يصير الحال أو المستقبل بالصيغة أي صيغة الفعل المضارع)وفيه أيضا(معنى الحدث أي الضرب وهو قادم من معنى الفعل أي ضرب يضرب ضربا).
أما كان فمعنى الكون هو حدوث عام مثل أن تقول(القتال كائن غدا)أي يحدث حدوثا عاما مثل إذا قلت(ضرب زيد عمرا)أفدت معنى حدوث الضرب لكن أيضا أفدت حدوثا خاصا هو(الضرب) فكان فيها معنى هذا الحدوث العام وليس فيها حدثا خاصاً.
أولست تقول(صار العنب زبيبا)ثم لاتستطيع أن تقول(كان العنب زبيبا)لأن(صار)فيها معنى التحويل من صفة الى صفة(وكان ليس فيها هذا المعنى)بل زمن فقط فلم تستطع أن تقول(كان العنب زبيبا)لأن العنب لم يكن زبيبا في الزمن الماضي ويدل على ذلك أنك يصح أن تقول(كان الزبيب عنبا)لأنه كان هكذا في الزمن الماضي فكان إنما أفادت زمنا أي اتصاف الزبيب بأنه عنب كان في الزمن الماضي.
أعتذر عن الإطالة في هذه المسألة .
ثانياً : العوامل من الأسماء
هذه أمثلة منها:
١-أسماء فيها رائحة الفعل:
زيدٌ حاتم الطائي في قومه
نعلق الجار والمجرور بمعنى الجود الذي في(حاتم الطائي)لأن اسم حاتم الطائي اسم علم ليس فيه أي رائحة لمعنى إذا قلت حسب الأصل(حاتم الطائي من أجواد العرب)فحاتم الطائي هنا اسم علم ليس فيه معنى الجود .
٢-أسماء مؤولة بمشتق:
زيد صخرٌ قلبه
نعرب(قلبه)فاعل عمل فيه(صخر)أي هو الذي رفعه فاعلا لأن كلمة(صخر)مؤولة بمشتق هو(قاسي)وهو اسم فاعل أي أن المتكلم لم يقصد أن زيدا قلبه مخلوق من مادة الحجر وإنما قصد أن قلبه قاسي .
٣-الأسماء المشتقة العاملة:
هذه هي الأهم والأكثر .
مثل اسم الفاعل واسم المفعول وملخص القول فيها عند سيبويه هو:
إذا كان اسم الفاعل يحدث في الحال أو المستقبل تنونه وتجعله يعمل فينصب المفعول به ويعمل مثل الفعل تماما:
هذا ضاربٌ زيداً الآن .
هذا ضاربٌ زيداً غداً.
لأن اسم الفاعل هنا وافق الفعل المضارع وهو إنما عمل لتشبيهه بالفعل المضارع:
هذا يضرب زيدا الآن .
هذا يضرب زيدا غدا .
إذا كان اسم الفاعل حدث في الماضي تجعله يجر مفعوله بالإضافة ولاتنصب مفعوله:
هذا ضاربِ زيدٍ أمس .
لأن اسم الفاعل هنا معناه الفعل الماضي(ضرب)وإنما عمل اسم الفاعل لتشبيهه بالفعل المضارع أي أن:
هذا ضاربُ زيدٍ أمس . توافق:
هذا ضرب زيداً أمس.
ولا يصح أن تقول(هذا يضرب زيداً أمس)كما أنه يصح أن تقول(هذا يضرب زيداً غداً).
فافهم هذا وأي شيء تجده ليس على هذه القاعدة فقدر محذوفا أو أوله كقوله تعالى(وكلبهم باسطٌ ذراعيه بالوصيد)نؤوله على حكاية حال أي كأن القارئ ينظر إلى أصحاب الكهف والقرآن يخاطبه وهو في هذه الحال.
أولست تقرأ في القصص التي يكتبها الناس مثل هذا فهذا هو تأويله كأن الكاتب قام بتجسيد تلحدث فجعلك كأنك تنظر إليه.
هذي من المعاني النحوية الدقيقة في فن الحكاية .
مسألة: قال النحاة أن الاسم الأصل فيه ألا يعمل بل يكون معمولا فكيف صار اسم الفاعل عاملاً؟
هذي قاعدة نحوية احفظها فهي لاتنخرم(إذا كان الأصل في الكلمة ألا تتصف بصفة معينة ثم اتصفت بهذه الصفة فلابد من وجود سبب سوغ اتصافها بهذه الصفة مثل قوله تعالى(إن رحمة الله قريب من المحسنين)الأصل تأنيث كلمة(قريب)هكذا(إن رحمة الله قريبة من المحسنين)فتذكيرها هو عدول عن الأصل الذي هو التأنيث إلى التذكير فالتذكير ليس أصلا فيها . وهنا لابد من سبب يسوغ هذا ومثل هذه الآية المسوغ هو الحمل على المعنى أي يكون المقصود ب(رحمة الله)شيئاً خاصا يكون مذكرا لفظيا وليس مؤنثا لفظيا مثل كلمة(رحمة)وقيل المراد برحمة الله هو المطر .
لكن لاحظ كلمة(قريب)مقيدة ب(من المحسنين)أي أن هذه الرحمة خاصة بالمحسنين لذلك قد يكون المعنى هو الحمل على معنى الإحسان أي يحسن إليهم كما أحسنوا ويكون هذا الإحسان رحمة من الله سبحانه وتعالى.
وهنا ينبغي أن نسأل لماذا عمل اسم الفاعل؟
قالوا لشبهه بالفعل المضارع .
مسألة :لماذا قلت العوامل المعنوية عند البصريين؟
العوامل عند البصريين كلها لفظية إلا عاملين:
١-الإبتداء وعمل في المبتدأ .
وفيل المبتدأ والخبر يترافعان أي المبتدأ بعمل في الخبر والخبر يعمل في الخبر والأول هو القول الراجح عند البصريين .
والنحو الذي نعرفه اليوم هو النحو البصري أما النحو الكوفي فقد اندثر أكثره والكوفيين العوامل المعنوية عندهم كثيرة جدا .
٢-مضارعة الاسم هي التي رفعت الفعل المضارع:
لو قلت لك متى يكون الفعل المضارع منصوبا ومتى يكون مجزوما ومتى يكون مرفوعا؟
ستقول يكون منصوبا إذا دخل عليه حرف نصب ويكون مجزوما إذا دخل عليه حرف جزم ويكون مرفوعا(إذا لم يدخل عليه حرف نصب ولا حرف جزم).
هذا القول الذي بين القوسين هو من أقوال الكوفيين التي بقيت ولم تندثر وهو عامل معنوي معناه(الخلو من العامل)وهذا يجعلنا نقول أن المبتدأ ارتفع لأنه لم يسبقه عامل نصب مثل إنَّ ولعل .
أما مضارعة الاسم عند البصريين فمعناها أنه يحل في محله مثل:
زيد(مجتهد)في دروسه
زيد(يجتهد)في دروسه
ولاتقول اجتهد بالفعل الماضي لأن اسم الفاعل بمعنى الحال ولذلك ضارعه الفعل المضارع فارتفع بهذه المضارعة .
ثالثا:العوامل من الحروف:
الحرف يعمل بالاختصاص ولذلك قالوا أن ناصب الفعل المضارع بعد(حتى)هو(أنْ)مضمرة وجوبا أي قولك:
ذاكر زيد حتى ينجح
أصله(حتى أن ينجح)ثم حذفت(أنْ)وأضمرت وجوبا .
لأنهم لوقالوا أنها هي التي نصبت الفعل المضارع زال عنها اختصاص الدخول على الاسم لأن حتى(حرف جر)وحرف الجر مختص بالاسم ولايدخل على الفعل فحتى التي ينتصب بعدها الفعل المضارع هي حرف جر والفعل المضارع المنصوب بعدها هو و(أنْ)المضمرة وجوبا مصدر مؤول في محل تقدير مصدر صريح يكون مجرورا بحتى هكذا :
ذاكر زيد حتى ينجح
أصله(ذاكر زيد حتى أن ينجحَ).(أن ينجح)مصدر مؤول يقدر بمصدر صريح أي اسم(النجاح)فيكون تقدير الكلام(ذاكر زيد حتى النجاح).وبهذا لم يزل عن(حتى)اختصاصها في الدخول على الأسماء لتجرها .
(حتى)لها ثلاثة أنواع:
١-أكلت السمكةَ حتى ذيلِها
بجر(ذيلِها)بالكسرة وتكون هنا حرف جر.
٢-أكلت السمكةَ حتى ذيلَها
بنصب(ذيلَها)وتكون هنا حرف عطف فذيلها معطوف على السمكة.
٣-أكلت السمكةَ حتى ذيلُها
برفع(ذيلُها)وتكون هنا حرف استفتاح و(ذيلُها)مبتدأ خبره محذوف كأنه قيل(حتى ذيلُها مأكولٌ).
فائدة : متى نستخدم(حتى)للجر ومتى نستخدم(إلى)؟
قال تعالى(فأتموا الصيام إلى الليل)
لو قال(حتى الليل)يكون دخول الليل جزء من الصيام لأن حتى يشترط فيها شرطان:
أن يكون مابعدها جزءا متصلا بما قبلها
وبهذا يكون دخول الليل جزء من الصيام ولايشترط ذلك في(إلى).
وكذلك يشترط أن يكون مابعدها هو الجزء الأخير مما قبلها
أي لاتقول(أكلت السمكة حتى نصفها)بجر(نصفها)لأنها ليست الجزء الأخير في السمكة ولكن تقول(حتى ذيلها)بالجر .
وعملت(لا الناهية)لأنها اختصت بالفعل المضارع أما(لا النافية)فلم تختص بالفعل المضارع إذ أنها تدخل على الفعل الماضي والجملة الاسمية .
خلاصة العوامل انها ثلاثة أنواع:
١-عوامل من الدرجة الأولى عملت لأن الأصل فيها أن تعمل مثل الفعل.
٢-عوامل من الدرجة الثانية عملت بسبب مثل عمل اسم الفعل عمل لشبهه بالفعل المضارع.
٣-عوامل من الدرجة الثالثة مثل(ما الحجازية)عملت تشليها ب(ليس)و(ليس)عملت تشبيها ب(كان).
ما زيدٌ مجتهداً
ليس زيدٌ مجتهداً
ولأنها عامل من الدرجة الثالثة فهي ضعيفة يمكن أن تلغي عملها وتقول: مازيدٌ مجتهدٌ وكذلك تمنع من أحكام تكون للعامل الذي هو من الدرجة الثانية مثلا التقديم والتأخير تمنع(ما)من تقديم خبرها على اسمها ويجوز ذلك ل(ليس)وهكذا.
ومن العوامل من يعمل لفظاً فقط مثل(ليس زيد بمجتهد)نقول في إعراب(بمجتهد)الباء حرف جر وجتهد اسم مجرور لفظا منصوب محلا. لأنه إذا قلنا ان مجتهد اسم مجرور فهذا يعني أنه لابد من تعليقه بالفعل مثل أن تقول(صربت زيدا بالعصا)العصا اسم مجرور وهو وحرف الجر يتعلقن بالفعل(ضرب)لإضافة معنى أن الضرب كان بالعصا .
أما(ليس زيدٌ بمجتهد)فحرف الجر الباء دخلت لتوكيد النفي يدل على ذلك أنك لاتقول(ليس زيدٌ إلا بمجتهد)لأن النفي انتقض ب(إلا)التي للاستثناء وصار(مجتهد)موجبا او مثبتا وليس منفيا ولذلك تقول(ليس زيدٌ إلا مجتهداً).
حروف تساعد العامل في العمل:
هذه مثل حروف العطف لاتستطيع أن تقول(نجح زيدٌ عمرٌ)لأن الفعل(نجح)لايستطيع الوصول بنفسه الى الفاعل الثاني(عمرو)كما استطاع الوصول بنفسه الى الفاعل الأول(زيد)ولذلك تقول(نجح زيدٌ و عمروٌ)بالعطف لتساعد العامل في الوصول الى معموله الثاني . وهناك كلام كثير جدا ليس هذا موطنا لذكره .
والله أعلم

رد مع اقتباس