[
عقصاتُ ذكرى
من بين طيّات السّنين قفزت صور وقعدت في مرسم الذّكريات؛ نافضة عنها ما علق من غبار قديم السّفر... فأجلستني قبالتها أستعيد ما جرجرته عجلات الأيّام من عمري، وأحصي من نجوم السّنين ما قد أفل...
أقبع هناك، فتتكوّم أفكار أمامي، تحملق لمرآها العينان، وتدهش لزفير الآه وفحيح الأنين الأذنان. فها هما يعجنان بماء تأوّهاتهما قمح الأفكار وزهر العواطف، نازعَين منهما الخصب وماء الحياة.
وتستمرّ عدسات الذّكرى بعرض صورها غير مبالية،تطوي الصّفحات طيّا؛ لتقعدني على تلّة الحياة؛ ناظرة وعورة ما تبقّى وتدعوني لأعدّ لذلك العدّة، وأشدّ حزام الصّبر لتحمّل وتفادي عثرات الطّريق وما سألقى...
ها قد جفاني الفرح وغادرني إلى ديار بعيدة، ولا أجد لردّه سبيلا ... وبات الخلّان في منأى عنّي، ونسيني من إليه أطمئن وأشكو ويلات حرماني من طيب ما يهفو له قلبي، وتتلوّى له الأحشاء شوقا وحنينا... وبات الجسد يشكو ثقل الحمل الذي ناخ تحت أرزائه طويلا...
فيا قلب، قد أتعبني خفقك احتجاجا، ولا أجد لتهدئتك تربيتة كفّ، أو دواء يشفي الغليل.
ويا وجه، قد أرهقتني بسمة التّحدّي، فلم أعد أقدر على تلقّي صفعة حزن الخدّ الأيمن بضحكة الخدّ الأيسر، وبث المسرّات لمن جاء يشكو وعلى رصيف الهموم يحبو.
ويا فرح ذكرى يوم مولدي تلاشت خيوطك حين غزتها صفرة خريف الغضب واليأس،حيث بتّ تشعرني بتساقط أوراق شجرة أحلامي، وضآلة واضمحلال آمالي... أنفث عليك من دخان التّذمّر، وأحجبك بضباب الفكر، وأعاند جميل شعور يقاوم حشرجة اليأس ليبثّ في داخلي سنا لهفة يغذّي جذوع شجرة العمر لتورق بأوراق الرّضا، ويثبّت الجذور في ترب التّفاؤل وحثّ الخطى...
وعلى حين غفلة، تصفعني المشاعر وتلفّ أشرطة الذكرى؛ قاذفة إيّاها في تابوت النّسيان الأبديّ؛ لئلا تفسد عليها جمال الحياة واستغلال كلّ لحظة؛ هاتفة وداعية روحي كي تغنّي لزرع الرّبيع؛ لتحظى بحصاد قمح الصّيف . فحطّت على كتفي فراشات الأمل طاردة دبابير الهمّ والجوى، وداعية ورود الفكر لتزهر وتتمايل تيها في روض الهناء، لا زاحفة في دروب شوك وجفاف الحياة ... [/]