صباح حبيبتي صباحنا اجمل نهار جديد في رام الله..الجو لهذا العام مختلف تماما..جو مشبع بالرطوبة, تلى شتاء قارس البرودة لم تعرفه هذه المدينة من اربعين عام...رطوبة عالية في ظل مشكلة للمياه..الاحتلال يستولي على مياهنا ويتحكم ببيعها لنا..الأولوية للمستوطنات دوما..هم يتنعمون بالاستحمام والسباحة وري الحدائق..ونحن علينا ان نركض لالتقاط القطرات الضئيلة التي تجود علينا بها صنابير الماء فتأتي على خجل ملونة بشتى الألوان والشوائب.
هو الاحتلال يا حبيبتي...منذ يومين التقيت مع صديقي الفنان المحامي مازن قبطي على هامش حفل صغير في بيت صديقنا الفنان سمير جبران الموسيقي الرائع الذي يذوب بنغمات العود..كان الجو خانقا مشبع بالرطوبة والحرارة رغم ان الساعة قد تجاوزت التاسعة مساءا..كان مازن يحدثنا عن الجولة الطويلة التي قام بها ليتمكن من الوصول الينا من القدس الى رام الله, فمزاج الجندي الاسرائيلي متعكر وبالتالي منع صديقنا من الدخول لرام الله تحت حجة انه يحمل هوية مقدسية..
تطرق الحديث لجو رام الله الخانق الغير معتاد بمثل هذه الأوقات من السنة في مدينة عرفت بأنها مصيف فلسطين, مدينة كانت قبلة المصطافين قبل عام 1967 وجثوم الاحتلال على صدورنا وصدر المدينة, فحدثتهم كيف كانت رام الله تمتلئ صيفا بالدشاديش البيضاء التي يرتديها إخوة لنا من السعودية ودول الخليج قدموا ليتمتعوا بهواء رام الله وبرودتها صيفا..
قال لي مازن ما استغربه ان الجو في القدس وهي على مرمى حجر افضل وابرد رغم اننا كنا نحسد رام الله على جوها..فضحكت قائلا هي رطوبة البحر السليب تأتي الينا مكثفة هذا العام..فقال وهي تأتي الينا ايضا ولكن العام هذا مختلف.قلت له ضاحكا هو الجدار يا صديقي...منذ حاصروكم وحاصرونا به بارتفاع ثمانية امتار اصبح الهواء يصطدم بالجدار ويعود الينا.......ضحكنا على هذه الفكرة..
هي هكذا يا حبيبتي..حياتنا..تحت الاحتلال محاولين انتزاع البسمة انتزاعا, لا مجال لنا الا ان نصر على الحياة ولو بابتسامة...علينا ان نحيا بابتسامة فهي سلاح في وجه الجلاد ..كالسنديان نحن حبيبتي كالزيتون نمد جذورنا بالأرض متشبثين بها..نظلل زنبقات برية نمدها بنسغنا لتزرع الحياة في عروقها...
هي الأرض...اجول جولتي المبكرة في شوارع رام الله اتنشق عبقها, ارى الياسمينات التي تميزت بها قد خف اريجها من شح المياه, فالانسان بالكاد يرتوي فكيف بالزرع..اجول من زقاق الى زقاق ولا اجد الا بقايا شجرات الحور والصنوبر التي لم يلتهمها مد البنيان تقف شامخة فهي ما زالت تمد جذورها عميقا ترتوي من رطوبة الأرض..
امسك بيدك محدثا اياك كيف كانت هذه المدينة, اتحدث بحب ووله عنها حتى اشعر ببريق يلتمع بعينيك, اتبسم قائلا هي مدينة يا حبيبتي فلا تغاري..تضحكين برنة مثيرة وتقولين ولكنها تحمل ايضا تاء التأنيث وانا لا اريد تاء التأنيث بحياتك الا انا...نضحك بقهقهة كمجنونين سعيدين بجنونهما ونواصل الدرب..
نقف امام ياسمينة متدلية على سور مقابل مبنى المقاطعة المقر الرئاسي في بيت سيدة فاضلة نائب عن الشعب في التشريعي, زوجة فنان افرغ روح فنه وعبقه بهذا المنزل وهذه الحديقة, اضمك ونتنشق عبق الياسمين من هذه الياسمينة المتميزة التي صمدت في كل مراحل حصار الدبابات لمقر الرئيس وتحملت العطش والاضطهاد واصرت ان ترسل عبقها الى بعد امتار تشد من اصر المحاصرين وتستبدل اجواء البارود بالعطور.
آه يا امرأة شوقي يا حبيبتي الغائبة الحاضرة, البعيدة القريبة كم يوجد في الحياة ما يستحق ان نحيا من أجله, كم هو الوطن عظيم يستحق ان ننزرع اقوى من السنديان به وارسخ من زيتونة رومية ونسمد ترابه بخلايا اجسادنا ليزهر دوما ويستمر..
اعود من جولتي وطيفك يرافقني...ساحتسي القهوة الآن كما اعتدت ان أحتسيها معك دوما..فنجان واحد لكلينا ولفافة تبغ واحدة, لكن ما يفسد المتعة انني لن اجد ماءا امارس به رفاهية حمام صباحي آخر بعد هذه الجولة..
زياد جيوسي
رام الله \ فلسطين
7\8\2005