المشاركة الأصلية كتبت بواسطة د. نجلاء طمان
أنت... وجنيتك العروس
أنت يا أيها القادم من زمنِ الموتى... طفلاً يغطى عريَه بظل ترنيمة حدادٍ وتختنق حنجرته ببوقٍ من رماد , تسبح في ظلمة جسدٍ اغتالته أفاعي الشيطان وتشق أذنك آهات طفلٍ عذبته ظلالاتٌ... انبثقت كألف مسخٍ من فوضى العالم الأسفل , تدق مساميرك في بدني الجائع تشكوه ضياعك... تتجمل ببكائك, تحارب بسيف عشقٍ وهبك الروح وتحتضن قرنفلةً وحيدةً, يلملم عبقها المنساب في صدرك...دمك المسفوح فوق تحرشاتٍ رشفت من حنظلة الظلم علقمَ أوهامها .
أنت يا من علقت على جبين القمر تميمةَ الوجع وتركته حائراً في فضاء عينيك يراود شجوك عن نفسه , ويجذب شفتيك بعيداً عن سلاسل تكبلها, فتهدر صلصلتها في أذنه مطلقةً معزوفة خوف يرعش في رحم التساؤل. تجلسُ على مقعد صمتك فوق عرش الوقت المصلوب على جدران ذاكرتك... تضع على رأسك تاج الموت, وتخفى لهفتك المحبوسة في قفص انتظارك... لماءٍ من عينيها يطفىء نيران صمتك. تداهن عيناك لوناً أسودً, وتخترق بها نبض طفلك النائم في أحشائه. تتعذب, لا تقدر أن تجهضه عدواناً, أو تغسل حلمك بالموت في نزيف وريده, أو تسقط قمرها... المحتضن سماء عينيك في محيط يأسك غدراً.
تنظر عروسك القمرية الآتية في موكب جن... تسير كطاووس محلى بالسواد, وترتدي ثوباً مزيناً بأزاهير الجماجم, ألقت إليك بنرجسةِ عشق أبدية مخضبة بدمها النازف من قلب الموت. تمد إليك يداً اعتقلتها شجون اليأس وأدمتها تلابيب المعاقل, تقرب منك جسدها المطعون بسيوف ماضٍ أسود... انبثق من قلب ليلٍ سقط سهواً من عين شيطانٍ ماجن. مرهقةُ الروح منهكةُ البدن, بلغ منها السير منتهاه, تقتفي آثارَ تنهدات رمالٍ عانقها خطوك, وتهب لك مأواك الموشومُ عليه وجهك منذ آلاف السنين, تنظرك بعين وشمتها أوجاع رجاءٍ لعناق عينيك الأبدي, وتعبث في وجهك نظراتُها تصول وتجول , تتحرش بشفاهِك العطشى لندى ثغرها.
هاهي جنيتك العروس...تختبىء وراءَ شعرها المنسدل على كتفيك , والمتبعثر عبر مسافات الصمت المفجوع في قارورة البعد . تنصت متوجعة لموسيقى موجٍ مسحورة تتناثر من صوتك الحبيب... كصيف يقبل قلب شتائها المعلق فوق انهياراتٍ ثلجيةٍ داخل وجدانها... أذابت دفء مشاعرها, فتنعكس أشعةُ شمسك الدافئة على تلك البقعة المظلمة في قلبها, وتنطلق كألسنة لهبٍ تتصاعد حرارتها كبراكينٍ ناريةٍ متأججةٍ في رؤوس أعصاب أحاسيسها الميتة, تعلو كشلال نارٍ ثم تهطل مطراً في دماها , فيرسل صمتها المذبوح على جدران الانتظار رجاءً حزيناً :
أن اشرق في عمري شمساً أبدية, لا تغرب ... لا تغـب.
27 يوليو 2007 م
بقلم / د. نجلاء طمان