مخلوق مكروه ... ارتبط اسمه بالغدر ، و الخبث ، و المكر ، و الشراسة ...
إنه الذئب ...!!!
كلنا عرفنا منذ طفولتنا قصة (( ليلى و الذئب )) ، و أثرت بنا كثيراً ، و صرنا نربطها دائما بكرهنا للذئب .
إضافة لقصص كثيرة ... عن الراعي و الذئب ، و الخرفان الثلاثة و الذئب ، و غيرها من تلك القصص الشهيرة عن مكر و خبث الذئب .
ناهيك عن الفيلم الشهير (( الرجل الذئب أو المستذئب )) ، الذي يتحول فيه إنسان إلى وحش مخيف ذئبي كلما ظهر بدر منتصف الشهر القمري .
ربما قصةٌ وحيدةٌ جعلت من الذئب في أعيننا بطلاً ... هي حكاية ( ماوكلي فتى الأدغال ) ، الذي تربى بين الذئاب ، و صار الإنسان الذئب الشجاع .
و اليوم يدافع الذئب عن نفسه ، فماذا سيقول يا ترى ؟؟؟؟
مسرحية : براءة ذئب
يدخل الذئب قاعة المحكمة ، و يمثل خلف القفص ، بحضور عدد غفير من الناس ، الذين كانوا يحملون لافتات مناهضة للذئاب و جرائمهم .
و يدخل القاضي و المستشارون و وكيل النيابة .
القاضي : محكمة !!!!
و ينهض الجميع احتراما للقانون و سيادته .
تأمل الذئب الجميع بحسرة و خيبة ، بدا حزينا و هادئاً على غير عادته ، و يقف ليدافع عن نفسه ، و يقدم مرافعته بنفسه .
القاضي بصوته الرخيم : المتهم الأول ... السيد ذئب
الذئب بكل احترام : حاضر هنا سيدي القاضي
القاضي: أيها الذئب ... أنت متهم بالمكر و الخبث و الوحشية ، و بأنك أخفت البشر ، و سببت لهم الكثير من الذعر ، و هاجمت قطعانهم و ماشيتهم و أتعبتهم كثيراً ... فما ردك ؟
الذئب : سيدي القاضي ، أنا بريء و مظلوم صدقني !!!
القاضي متعجباً و ساخراً : ههههه أنت بريء !!!!!! ومن المذنب إذاً ؟؟ الحمل الوديع الذي أكلته؟؟؟
الذئب : أعترف يا سيدي القاضي أنني آكل الحملان و الماشية ، و لكن هذا قدري ، و ما أراده الله لي ، و من حقي أن أعيش ، و إن لم آكل لن أعيش ! .
القاضي : و لكنك تتخذ أساليب ملتوية في كسب رزقك ...
الذئب : أنا؟؟؟؟؟
دعني أسألك سؤالاً سيدي القاضي ... هل سمعت يوماً أن ذئباً سرق ؟؟ أو أكل مال أخيه الذئب ، أو نصب عليه ، أو ظلمه ... أو قتله ؟؟؟
هل سمعت عن ذئب ، يهاجم بلداناً ، و يقتل أهلها ، و يحتل أرضهم ، باسم الديمقراطية و الحرية ؟؟
هل سمعت عن ذئب .. نهب خيرات قارة كاملة ، و جعلها جائعة و مريضة ؟؟
القاضي بارتباك : لا لم أسمع بهذا !!!
الذئب : هل سمعت عن ذئب يغش أخاه ، و يضع الماء في اللبن و الحليب ، و يضع البضاعة الجيدة فوق و الباقي كله فاسد ؟
القاضي متلفتا حوله : لا !!!
الذئب : هل سمعت بذئب ... يخدع فتاة مسكينة ، و يوهمها بأنه يحبها ، و هو يتسلى بمشاعرها ، و يتكلم من عشرات الفتيات بنفس اللهجة ، و يفكر فقط بالحصول على صاحبة ، أو فتاة بريئة مخدوعة ... تسلم جسدها إليه ؟؟؟
القاضي متأففا : في الحقيقة ... لم أسمع بذلك !!
الذئب : و هل سمعت بذئب ... يعطل مشاغل الناس ، و يأخذ الرشاوى ، و يأكل الربا ، و يروع الناس ؟؟
القاضي بعصبية : لا لم أسمع ، و لكنك خرجت عن الموضوع , و لم أفهم ما ترمي إليه بعد ؟! .
الذئب : يا سيدي القاضي ... أنتم البشر ... دائماً تتهربون من الاعتراف بجرائمكم .. و ذنوبكم ... و خبثكم ... و مكركم ...و تلصقونها بي أنا الذئب المسكين ! .
هل تذكر كم كذب الراعي باسمي ، حتى أكلتُه غضباً من كذبه ؟
أنتم تلصقون كل التهم بي ، مع أنني ذئب ... أعيش مع قطيع من الذئاب ، نخرج للصيد في أوقات محددة ، نصطاد غزالاً أو غزالين لا أكثر كي نسد رمقنا .. و لسنا طماعين مثلكم !! .
لا نبحث عن نفط ... و لا ذهب ... و لا ثروات
لا نأكل حتى التخمة مثلكم ، نأكل فقط لنشبع ...
و نقتل لنأكل كي نعيش ، أما أنتم فتقتلون بعضكم البعض دون سبب ، و بدم بارد .. و بالآلاف و الملايين بلا رحمة و لا شفقة ! .
وهنا شعر الحضور بالخجل من أنفسهم ، و حتى القاضي ، لكن القاضي كابر ، و قال غاضباً : و هل لديك أي دليل على أقوالك ؟؟؟
الذئب بثقة : نعم لدي دليل قاطع ، و من القرآن الكريم !!! .
القاضي مستغرباً و غاضبا : إياك أن تكذب على القرآن أيها الذئب !!!
الذئب بثقة : صدقني لدي الدليل ، و من كلام الله تعالى ، و في سورة من سور القرآن الكريم ، و هي سورة يوسف !!
ألم يلقي إخوة يوسف ، أخاهم سيدنا يوسف عليه السلام ، في البئر ، و ألصقوا التهمة بي ظلماً و عدواناً ؟؟؟ .
ألم يكذبوا على سيدنا يعقوب عليه السلام ، و قالوا بأنني أكلت سيدنا يوسف ؟؟؟ .
قال تعالى : بسم الله الرحمن الرحيم
((قَالُوا يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِنْدَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ ?17? وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ ?18?))
و هنا طأطأ البشر رؤوسهم ، و خجلوا من أنفسهم ، و ظهرت براءة الذئب
و شكراً لإصغائكم
تحياتي
بقلمي بتاريخ 3- 10 - 2008