مَاتَ كَلْبٌ ذَاتَ يَوْمٍ بَغْتَةً
فَتَوَلَّى صَاحِبُ الْكَلْبِ حَزِينَا

وَتَحَرَّى اللَّيْلَ فِي ظَلْمَائِهِ
كَيْ يُوَارِي تَحْتَهُ الْفِعْلَ الْمُشِينَا

حَمَلَ الْكَلْبَ بِرِفْقٍ وَمَشَى
يَرْصُدُ الدَّرْبَ شِمَالاً وَيَمِينَا

فَرآهُ مِنْ بَعِيدٍ رَجُلٌ
فَاقْتَفَاهُ فِي أَنَاةٍ مُسْتَكِينَا

حَفَرَ الْقَبْرَ وَوَارَى كَلْبَهُ
بِارْتِبَاكٍ فِي قُبُورِ الْمُسْلِمِينَا

فَتَخَفَّى قَاصِدًا مَنْزِلَهُ
لَمْ يُلَاحِظْ ذَلِكَ الشَّخْصَ الكَمِينَا

فَمَشَى مِنْ خَلْفِهِ يطمع أن
يَتَحَرَّى مَوْقِعَ الْبَيْتِ يَقِينَا

رَاحَ لِلْقَاضِي لِيَرْوِي كُلَّ مَا
أَبْصَرَتْ عَيْنَاهُ صِدْقًا مُسْتَبِينَا

وَمَضَى يَشْكُو الَّذِي شَاهَدَهُ
حَالِفًا بِاللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَا

طَلَبَ الْقَاضِي بِأَنْ يَأْتُوا بِهِ
عِبْرَةً بِالْحَقِّ لِلْمُعْتَبِرِينَا

أَحْضَرُوهُ صَاغِرًا مُنْتَكِسًا
وَلِحُكْمِ اللهِ مَذْمُوْمًا مَهِينَا

هَلْ دَفَنْتَ الْكَلْبَ فِي مَقْبَرَةٍ
دُفِنَتْ فِيهَا جُدُودِي الْغَابِرِينَا

وَقُلِ الْحَقَّ فَعِنْدِي شَاهِدٌ
وَاحْذَرِ الْكِذْبَ فَإِنَّا مَا عَمِينَا

قَالَ إِيْ وَاللهِ قَدْ وَارَيْتُهُ
فِي جِوَارٍ لِرِجَالٍ صَالِحِينَا

صَرَخَ الْقَاضِي بِصَوْتٍ مُرْعِبٍ
فَعَلَيْكَ الْخِزْيَ وَالْكَلْبَ اللَّعِينَا

وَعَلَيْكَ الذُّلُّ يَا نَجْسُ كَمَا
نَجَّسَ الْكَلْبُ قُبُورَ الطَّاهِرِينَا

سَتَرَى سِجْنًا شَدِيدًا فَأَنَا
فِي سَبِيلِ الْحَقِّ لَا أَعْرِفُ لِينَا

قَالَ يَا مَوْلَايَ لَا تَعْجَلْ وَكُنْ
قَاضِيًا عَدْلاً وَفِي الْحُكْمِ أَمِينَا

إِنَّ هَذَا الْكَلْبَ أَوْصَانِي بِأَنْ
يُدْفَنَ الْمَرْحُومُ مِثْلَ الْعَالَمِينَا

وَأَنَا أَنْفَذْتُ مَا أَوْصَى بِهِ
مِثْلَمَا أَوْصَى بِرَبِّي مُسْتَعِينَا

نَهَضَ الْقَاضِي لِكَي يَصْفَعَهُ
قَالَ قَدْ أَصْبَحْتَ غِرًا مُسْتَهِينَا

إِنَّ مَنْ يَسْخَرُ مِنِّي جَهْرَةً
سَيُعَانِي ظُلْمَةَ السِّجْنِ سِنِينَا

قَالَ إِنَّ الْكَلْبَ قَدْ أَوْصَى لَكُمْ
بِدَنَانِيرَ مِئَاتٍ أَرْبَعِينَا

ثُمَّ أَوْصَانِي بِأَنْ أُهْدِيَكُمْ
صُرَّةً حَمْرَا حَوَتْ عِقْدًا ثَمِينَا

صَرَخَ الْقَاضِي بِهِ مُسْتَبْشِرًا
رَبِّ فَارْحَمْ ذَلِكَ الْكَلْبَ الأَمِينَا

طَيَّبَ اللهُ ثَرَاهُ مِثْلَمَا
جَاوَرَ اليَوْمَ الجُدُودَ الأَوَّلِينَا

رُبَّ كَلْبٍ صَالِحٍ رَبَّيْتَهُ
كَانَ خَيرًا مِنْ بَنَاتٍ أَوْ بَنِينَا

هَاتِ مَا أَوْصَاكَ وَاذْهَبْ رَاشِدًا
فَلَقَدْ أَصْبَحْتَ فِي النَّاسِ حَصِينَا

اِنْطَلِقْ لِلْبَيْتِ حُرًّا آمِنًا
فَأَنَا مَا زِلْتُ لِلْوَافِي ضَمِينَا

وَإذَا مَاتَ لَكُمْ كَلْبٌ فَعُدْ
لِتَرَانِي سَاعَةَ الدَّفْنِ مُعِينَا