قمر المساء
بقلم سها جلال جودت

في عتمة الليل بظل السكون الهادئ، وتحت ستر الظلام جلست في شرفتي، نظرت إلى الأمام، الكل في صخب؟

رفعت رأسي إلى الأعلى، ابتسمت بأمان، النجوم تتراصف إلى جانب بعضها بعضاً، والبعض الآخر يبتعد متراقصاً بخلجات من وميض أبيض يتوهج كما الفضة في معصم يد سوداء.

اختار القمر موضعاً خاصاً في السماء، توهج قرص نوره بسكينة تكاد تحس أنك في حالة جاذبية نحوه، تنشد السفر إليه والدخول في ضوئه السديمي الهادئ.

ترتخي الأعصاب المتوترة، تنعس العيون، يصفو الفكر، تغمرك نشوة الصفاء الذهني الرتيب، فتشعر بنفسك مخموراً بلا كؤوس.

ينعشك ويغريك بمفاتن الجمال، وأنت تحت سمائه الممتدة بلا طول ولا عرض بسواد تزركشه النجوم التي تزهو بوهجها كأنها هي الأخرى تناجياك بالصعود إليها، بالرحيل عن عالم الصخب، عالم الصراخ، حيث الهدوء المتخم بأسرار العشاق، فتنسى الصداع الذي انتابك ظهر اليوم، تخلد على كرسيك وأنت تمعن في هذا الصمت البديع.

سواد قاتم، سكينة غامرة، نجوم براقة، قمر دافئ يظلك بنوره كأنه رفيق رحلة العمر.

تهجر الأحزان والدموع وتفكر:
- هل يبكي القمر ؟
لا، القمر لا يبكي لأنه كوكب بهيج، ينشط الأفكار المتشابكة ويطهرها، تتنفس الهواء بعمق، فتهيم في عشقه دون أن تدري وتسأل:
- هل يعلم القمر أنني أحبه، أعشق نوره، أهتدي على وميضه الدافق العذب؟
لا أخاف وحشة الليل والقمر موجود.

أراه يتبعني كظل، يرافق كياني، وحين أنظر إليه أشاهد التعرجات والارتفاعات فأتخيله أحياناً إنساناً يحاكيني ويناغيني، يمد يد العون.
- هل للقمر يد ؟
تمنيت أن يكون للقمر يد تصافح يدي المتعبة من عناء النهار وتشدني براحة أم حنون إلى سريري لأرتاح فيه، أغمض عيني على دفء حنانها وصوتها الناعم الرقيق.
- هل للقمر صوت؟
إنني ما أزال أراه صامتاً، فخمنت أن يكون صمته أجمل بكثير من كلامه.

عندما ينتصف الليل، يزداد إشعاعاً وبريقاً وفتنة فتحلق روحي مغردة كطير سعيد.

لا أريد الموسيقا والأنغام، فالنظر إليه سيمفونية رائعة النغمات والترددات.

تلك النجوم تختال على شدوه الغريب الساحر الممتع.

يعكر صفو مشروبي الروحي القمري نقيق الضفادع، يفسد عليَّ خلوتي وتأملي.
خذني أيها القمر، دعني أعيش ترهبي، تراني إن صعدت إليك هل سأعيش هناك؟ وأنسى صخب الناس وضجيجهم ....! أم تراني سأشتاق إلى نقيق الضفادع، وأطير كحمامة بيضاء في فلوات الخضرة والعبير؟!

لست أدري أي كائن أنت تملكني، تأسرني ؟!
أرقب خيطك الفضي المتوهج وهو يعلو يعلو رويداً.. رويداً ، تاركاً لعيني حزمة ضوء وحبل موسيقى.
لاتتركني أيها القمر، لن أتونى في الانتظار .

1996 من مجموعة / رجل في المزاد للكاتبة /