سبق أن نشرت أقساما سابقة من هذه الأبيات التي حملت عنوان (ملحمة الشهيد) فكان منها (إلى اهل الأدب... درب الأحزان.. درب الجهاد.. المخذلون) أما هذا القسم بعنوان (عروبة إسلام) فقد ترددت فترة عن نشره، فقد لا يفهم المقصود منه، دون التنويه أن الأبيات من أيام الانتفاضة الاولى، فكان روحها منبثقا من أجواء تلك الفترة. ولكن المعنى عاد إلى الذاكرة الآن لتجدد الحاجة إليه مع حلول ستينية النكبة الأولى.. وهي تفرض علينا استيعاب حاجتنا الماسة إلى أرضية مشتركة، لا سيما بين التيارات العروبية والإسلامية.
عروبة الإسلام
قالـوا العُروبَـةُ دونَ الدِّيـنِ تَجْعَـلُـنـا نَرْقـى بِعَصْـرٍ إِلى الأَدْيـانِ لَـمْ يَـثُـبِ
أَمْسـى الرُّقِـيُّ بَـعـيـداً لا يُـراوِدُنـا إِلاَّ بِأحْــلامِ مَفْـجـوعٍ ومُكْـتَـئِــبِ
وَحالُـنـا عـالَـةٌ فـي كُـلِّ مُـبْـتَـكَرٍ يُـرْجى مِنَ العِـلْمِ في الدُّنْيـا ومُكْتَسَـبِ
قالـوا العُروبَـةُ ديـنٌ فيـهِ وَحْـدَتُـنـا هـذي رِسـالَتُـنـا في العالَـمِ الرَّحِـبِ
فَسَـلْ حُـدوداً وَأَعْـلامـاً مُبَـجَّـلَــةً هَـلْ مَـزَّقَ العُـرْبَ إِلاَّ مُلْحِـدٌ وَغَبـي
إِنْ يَلْـبَسِ الدِّرْعَ فَالأَعْـرابُ مَقْـصَـدُهُ أَوْ يُعْلِـنِ السِّـلْمَ فَالبُشْـرى لِمُغْتَـصِـبِ
حُكْـمُ الشَّـراذِمِ فَالطُّـوفـانُ يَجْرِفُـنـا في كُـلِّ وادٍ سَـحيـقِ القَعْـرِ مُنْشَـعِبِ
فَهُـمْ.. وَبِـدْعَةُ عَلْمـانِيَّـةٍ صُـنِعَـتْ في عَهْدِهِـمْ سَـبَبُ الخِذْلانِ وَالتَّبَـبِ(21)
وَغُرْبةِ الحُـرِّ في عَهْـدِ العَبـيـدِ وَكَـمْ تَطـاوَلَ العَبْـدُ، والأحْـرارُ في الكُـرَبِ
وَشَـرُّ مَهْزَلَـةٍ حُـكْـمُ الطَّـوارِئِ فـي شَـعْبٍ يُكـابِـدُ أَلْوانـاً مِـنَ الشَّـجَـبِ
بِاسْمِ القِتـالِ.. فَهَـلْ كانَتْ هَـزائِمُـهُـمْ إِلاَّ ثِمــارَ ضَمـيـرٍ فاسِــدٍ خَــرِبِ
بِئْسَ العُروبَـةُ فـي أَيْـدي جَـبـابِـرَةٍ عَلى الشُّـعوبِ ضَـحايا السَّـلْبِ وَالحَرَبِ
أَتْبـاع ُشَـرْقٍ لَئيـمٍ لَـمْ يُـلَـبِّ لَـهُـمْ سُـؤْلاً جَليـلاً وَلا مُسْـتَصْغَرَ الطَّـلَـبِ
إِلاَّ لِـدَعْـمِ نِــزاعـاتٍ يُسَــعِّـرُهـا حِقْـدٌ قَديـمٌ عَلى الإِسْـلامِ لَـمْ يَـغِــبِ
أَتْبـاعُ غَـرْبٍ حَقـودٍ يَسْــتَهيـنُ بِهِـمْ وَهُـمْ عَـلى خِدْمَـةِ الأَسْــيـادِ في دَأَبِ
جُـلُّ المَصـالِـحِ مَـهْـدورٌ وَمُحْتَـقَـرٌ سِــرَّاً وَجَـهْراً فَهَـلْ لِلذُّلِّ مِنْ سَـبَـبِ
بِئْسَ المَذَلَّـةُ أَنْ يَسْـعى الحَريـصُ لَهـا كَسَعْيِ ذي ظَمَـأٍ لِلْمـاءِ في القُـلُـبِ(22)
وَمـا نَـرى دُوَلا تُخْـشـى مَكانَـتُـهـا رَغْـمَ التَّفـاخُـرِ بِالأَلْـقـابِ وَالرُّتَــبِ
فَـلا الأَميــرُ أَميــرٌ عِنْـدَ مَـأْثَـرَةٍ وَلا الرَّئيـسُ رَئيـسٌ يَـوْمَ مُـحْـتَـرَبِ
وَلا المُـلوكُ مُـلوكٌ عِـنْـدَ مَظْـلَـمَـةٍ وَلا السَّـلاطينُ إِلاَّ فـي سَـنا اللَـقَـبِ
كَمْ صَـوَّرَتْ ألْسُـنُ الإِعْـلامِ مِنْ بَطَـلٍ مِنْ كُـلِّ مَكْـرُمَـةٍ في خَـيْـرِ مُنْتَسَـبِ
إِذا اسْـتَـتَـبَّ لَـهْ السُّـلطانُ طالَعَـنـا بِالقَـتْـلِ والسَّـجْنِ وَالتَّشْـريدِ لِلنُّجُـبِ
وَعاشَ مُنْهَزِماً فـي ثَـوْبِ مُنْـتَـصِـرٍ أَوْ ثَوْبِ ذي حِنْكَـةٍ لِلحَـرْبِ مُجْتَـنِـبِ
ما شَـذَّ عَـنْ مَطْلَـبِ التَّسْـليمِ مِنْ أَحَدٍ وَكَيْـفَ يُطْلَـبُ جِـدُّ الحَرْبِ مِنْ دَعِـبِ
طَغا الفَسـادُ فَلا ميـزانَ مِـنْ خُـلُـقٍ وَضـاعَ ذو الخِـبْـرَةِ الحَسْـناءِ وَالدَّرَبِ
لا الزَّعْمُ يَصْـنَعُ أَمْـجـاداً لِيَخْـدَعَـنـا وَلا السَّـرابُ نَدىً يُغْنـي عَـنِ السُّـحُبِ
أَيْـنَ المَسـاجِـدُ لِلأَفْــذاذِ جـامِـعَـةً أَنْتُـمْ بِهِجْـرانِهـا فـي شَـرِّ مُنْقَـلَـبِ
أَيْـنَ الثُّغـورُ عَلى البُـلْدانِ يَحْفَـظُهـا رُهْبـانُ لَيْـلٍ وَفُرْسانٌ عَلى السُّـهُبِ(23)
أَيْـنَ الجِبايـاتُ لا مَعْـدومَ يَطْلُـبُـهـا وَالأَرْضُ في عَهْدِكُمْ تَشْـكو مِـنَ الجَـدَبِ
مـاذا تَبَقَّـى وَقَـدْ بـاتَـتْ عُروبَتُـكُـمْ لا تُنْقِـذُ الأَهْـلَ فـي حَـرْبٍ وَلا سَـغَبِ
هـذي عُروبَتُـنـا وَالدِّيـنُ يَصْـنَعُـهـا سَــلْمـانُ مِنـَّا.. وَدَعْ عَنَّا أَبـا لَهَـبِ
نَحْيـا سَـواسِيَ تَقْـوى اللهِ تَعْصِـمُـنـا عَنْ ظُلْمِ مُسْـتَضْعَفٍ أَوْ رَفْعِ ذي حَسَـبِ
كانَـتْ عُـروبَـةَ إِسْـلامٍ فَمَـوْطِنُـنـا حِصْـنٌ حَصينٌ وَعَنْـهُ الشَّمْسُ لَمْ تَغِـبِ
كانَـتْ عُـروبَـةَ إِسْـلامٍ فَـذِمَّـتُـنـا أَمْـنٌ وَسِـلْـمٌ لأَهْـلِ الدَّارِ وَالجُنُـبِ(24)
كانَـتْ عُـروبَـةَ إِسْـلامٍ عَـدالَـتُــهُ بِالعَفْـوِ سـامِيَـةٌ.. بِالحَـقِّ فـي رَهَـبِ
كانَتْ عُروبَـةَ قُـرْآنٍ وَفيهِ مَـدى الـ... ...أَزْمـانِ ما يُعْجِزُ السَّـاعينَ في الكَذِبِ
فَـدَعْ عُـروبَـةَ أَصْـنـامٍ وَأَمْـزِجَــةٍ مُحَـمَّــدٌ قُـدْوَةٌ لِلْعُـجْـمِ وَالعَــرَبِ
وَكُـنْ أَبِـيَّـاً وَخُـذْ لِلنَّـصْـرِ عُـدَّتَـهُ إِنْ شـاءَ رَبُّـكَ يُخْـزِ الكُـفْـرَ بِالرُّعُـبِ
وَانْظُرْ خَرابَ حُصـونِ الشَّـرْقِ مُعْتَبِـراً فَسُــنَّـةُ اللهِ فَـوقَ الشَّـكِّ وَالرِّيَــبِ
وَالغَـرْبُ كَالشَّـرْقِ مُنْـهـارٌ وَمُنْـدَثِـرٌ يَـوْماً.. وَيَعْلو بِناءُ الحَـقِّ في رَجَـبِ(25)
وَانْظُـرْ مَصارِعَ فِـرْعَوْنٍ وطُغْـمَـتِـهِ صـاروا وَأَمْثـالهُـمْ في النَّـارِ كَالحَطَبِ
وَكَيْـفَ أُهْـلِـكَ قـارونٌ بـِزيـنَـتِـهِ وَكـانَ أَهْـوَنَ مِنْ مُسْـتَضْعَفِ الزَّغَـبِ
يا آلَ ياسِـرَ.. قَدْ كانَـتْ شَـهادَتُـكُـمْ بُشْـرى انْتِصـارٍ عَلى الطَّاغوتِ والرَّهَبِ
فَاسْـمَعْ بِلالاً يُنادي في الرُّبـى: "أَحَـدٌ" وَانْظُـرْ لِقَتْـلى قُرَيْشٍ سـاعَـةَ النَّـدَبِ
وَقُـمْ وَجـاهِـدْ وَلا تَعْـبَـأْ بِمُنْـكَـفِـئٍ وَكُـنْ كَجِسْـرٍ لِجُـنْـدِ اللهِ مُنْتَـصِـبِ
وِإِنَّنـا -وَيَـدُ الرَّحْـمـنِ تَصْـنَعُنـا- فَجْـرٌ يَلـوحُ عَلى الآفـاقِ لَـمْ يَـقُـبِ
فَجْـرُ الطَّلائِـعِ مِنْ أَحْـرارِ أُمَّـتِـنـا رَغْـمِ المَكائِـدِ خَلْفَ السِّـتْرِ وَالحُجُـبِ
فَيا طَـلائِـعَ نَصْـرِ اللهِ لا تَـهِـنـوا وَلَيْسَ بَعْدَ رِضى الرَّحْمنِ مِـنْ أَرَبِ(26)
وَيا فِـلَسْـطيـنُ وَالإِسْـلامُ قائِـدُهـا ثوري.. وَيا نَصْرُ هذا الدَّرْبُ فَاقْتَـرِبِ

ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــ
21- التَّبَب: الهلاك
22- القُلُب، جمع قليب: بئر الماء
23- السُّهُب، جمع سَهْب: الفرس الواسعة الجري
24- الجُنُب: الأغراب الأجانب
25- في رَجَب: في عزّة ومنعة
26- أَرَب: غاية ومقصد.