ألم أقل لكم ؟


تذكرون قبل رمضان الفائت كيف حدثت تلك الضجة الكبيرة حول مشروعية تمثيل الصحابة رضي الله عنهم ، بسبب مسلسل ( عمر ) الذي كان سيعرض في رمضان ، بين مؤيد ومعارض .. ومن يراه خلافاً سائغاً ومن يراه خطاً أحمر لا يجوز تجاوزه .. ثم بعد عرض المسلسل ما الذي حدث ؟
تذكرون تلك المظاهرات الحاشدة والاستياء العارم والرفض الكبير لذلك الفلم المسيء للحبيب الرسول محمد صلى الله عليه وسلم ، وتطور الأحداث حينها ووصولها إلى قتل السفير الأمريكي في ليبيا ، وتداعيات أخرى تابعناها في وقتها ، وكانت القنوات الفضائية تملأ الفضاء بأخبار الإساءة والمواقع الالكترونية تكتب وصفحات الفيسبوك تنشر العشرات من المواضيع والتعليقات واللوحات والحملات المليونية لنصرة الحبيب والصلاة والسلام عليه .. ثم بعد ذلك بفترة وجيزة ما الذي حدث ؟
هل حُلت إشكالية تمثيل الصحابة ؟
هل حُلت إشكالية الإساءات المتكررة لديننا ونبينا ؟
أين العلماء والمفكرون والكتاب وأين متابعاتهم لتلكم المواضيع والأحداث حتى بعد انتهائها من الناحية الشعبية ؟
أترى استطعنا أن نحلّ تلك الإشكاليات حقاً ؟
بالطبع كلا ..

ففي رمضان القادم سوف يثار الجدل ثانية حول تمثيل الصحابة ، عندما يُعلن عن مسلسل يتناول حياة ( الصديق ) مثلاً ..
وسوف نرى ثانية حشوداً غاضبة تسير في الشوارع وتتجه نحو السفارات والقنصليات الأمريكية أو الروسية أو الفرنسية لا فرق لإدانة إساءة أخرى ، ولا نعرف نصيب من سيكون القتل هذه المرة ..
وتتطاير الفتاوى والاتهامات وحملات النصرة وبيان كيفية النصرة .. وهكذا .. إلى أن يهدأ الغضب الآني وتخبو العاطفة الجياشة بانتظار إساءة أخرى ..

ما المشكلة ؟
المشكلة هي أننا لا نتحرك وفق خطط وتدابير إستراتيجية .. المشكلة هي إننا قوم تغلبنا العاطفة غير المتعقلة والعقلانية غير العاطفية ، فتأتي سلوكياتنا أشد ما تكون العاطفية من جهة ناس ، وأشد ما تكون العقلانية ( غير العاقلة ) من جهة ناس آخرين ..
إننا نثور وقت ما يراد أن نثور ، ونهدأ وقت ما يراد منا أن نهدأ .. وسلوكياتنا باتت ( ردود أفعال ) لا ( أفعال ) ، وتلك صفة المنهزم !
بينما الآخرين يسيرون وفق خطط مرسومة ومناهج محددة ، تحتويها المؤسسات والهيئات والدوائر الحكومية وغيرها ..
ونحن لا مؤسسات عندنا ولا خطط ولا مناهج ، ولا نملك النفس الطويل لحل قضايانا ، فبمجرد أن تنتهي المشكلة حسب ظننا حتى نغلق الدفاتر ونطوي الكتب ونترك الأقلام ونوقف الفكر إلى أن تثار المشكلة من جديد ، ومن جديد لا تقرأ إلا تكراراً ولا تجد إلا تكراراً ، وكأن العقل وقد استراح إلى هذه الطريقة للتعامل مع مشاكله ، أو أنه بدأ حقاً بخداع نفسه ..
أين من يكتب الآن عن مسلسل ( عمر ) ، وأين الذين يتكلمون عن طرق نصرة الحبيب ؟
في المواقع والمنتديات ومواقع التواصل الاجتماعي ، لا شيء ..
حتى علماؤنا ومفكرونا أصبحوا ينجرون وراء العامة ، فإذا تكلم الناس تكلموا وإذا هدأ الناس هدؤوا وإذا أطاح الشعب بالنظام أيدوا ووافقوا ، وكأن الأمر صار ( ما يطلبه المشاهدون ) ، بدل أن يقودوا هم الشعوب ويقفوا في الصفوف الأمامية ويحملوا الأمانة الملقاة على عاتقهم ، وعذراً أنا لا أعمم فالتعميم خطأ ..

إننا في أزمة ..
ففي الوقت الذي كان حاخام يهودي ( يمزق ) جواز سفره الإسرائيلي احتجاجاً على ما يحدث في غزة من قتل وإبادة ، كانت دولة قطر ( تهدد ) بغلق المكتب الإسرائيلي بشكل ( مؤقت ! ) إن لم يتوقف العدوان ، بينما في دول أخرى لا تزال العلم اليهودي ترفرف عالياً ..
وفي الوقت الذي يرفض من ليسوا من أبناء جلدتنا وديننا ولساننا العدوان علينا ، كان أبناء جلدتنا وديننا ولساننا يمهدون الطريق للمعتدي المحتل !

عفواً هذه ليست مقالة سياسية ، لكنها تناقضات نعيشها في ظروف أزمة ..

إننا أيها الأحبة ننسى ..

وأخيراً هل ندعو إلى اليأس والإحباط ؟
من يقول ذلك ؟
بل ندعو إلى ترتيب أوراقنا من جديد ..