رائحة الظلام لها وقع جديد هذه المرة ، حيث ثمل الليل فجأة ، من شدة احتسائه العتمة ، فانعكس ثموله حزنا على جريد النخيل ، الذي يصارع غبار الظلام ، في محاولة يائسة لسرقة خيط من نور يعكسها على طابور (خُوصِه) المتمايل طربا مع صوت عزف رياح الصيف .
سكون عجيب يجثم على ذلك القلب القديم ألماً وأسىً ، أحس بويلات ذلك العملاق الذي يصل الأرض بالسماء عزة وشموخا ، لطالما ألقيت بظهري في حضنه مستندا ، كل (كَرْبَةٍ) فيه تحفظ خارطة أخرى لجسدي ، أحسه هذه المرة ينحني إشفاقا ورحمة ، يتنازل عن كبريائه لأجلي ، أحس بأوراق جريده تلفني كحرير صيني ، أشواكه خجلت من حدة نهاياتها فأومأت لي بدمعة من بكاء الليل .وتحته شجيرات الياسمين ، تتنفس الصيف بنشوة ، بزفيرها تنفث عبير الفل الذي يجرني ثانية لدفاتر ألم في الماضي .

لازلت أتكئ على ذلك العظيم ، عيناي تحفران الأرض في دهشة مخيفة ، والعتمة تأكل بعضها خلسة ، سانحة لرذاذ بسيط من ندى الفجر ، لينثر شيئا من بياضه ، على مساحات بسيطة لم يستطع جريد النخيل احتواءها ، الأسباب في صراع دامٍ لتبرير الموقف ، والقلب يقرع طبوله في تسارع مميت ، هل حقا تعني ما تقول ؟ أم أنها عبارة شذت من سلسلة أفكار نسجها الغضب واليأس ، لقد كان قلبي في جلاء مستمر لعوالق الأيام على جدرانه ، إلا أنه يعجز الآن أن يزيل ندبا جريئا جدا على ذلك الجدار ، هكذا سكَبَتْها باردة بسلاسة ، مع شلال الماء الذي تصبه في كوب بائس لتزيدني عطشا ، وهي تخرق وجهي بعينيها الشهلاوان ، " أعلم أن بإمكانك أن تكون أي شيء في حياتي ، عدا أن تكون حبيبي " .




ملحوظة /
خُوْص : اسم محلي لأوراق سعف النخيل المتراصة .
كَرْبَة : بداية سعف النخيل المقطوع الخارج من جذع النخلة .