جلستْ بجواري صامتة .. التفتُ إليها باسمة لكنّ انطفاءً غريبا في عينيها انتقل إلى عينيّ

كانت ترفض الشكوى و البكاء على لحظة مضت منذ سنين .. أو مضت من خمس دقائق
لكن شيئا ما تغير في عينيها .. شيئا لم أفهمه
غمغمتْ : ببساطة ؟

و لم أجد ما أرد به لأنني لم أفهم

لطلما قرأتُ عن هؤلاء الذين يتبادلون حوارا لا معنى له و هم متفاهمون
تبادلتُ حوارا كهذا مرة .. لكنني و محاورتي لم نفهم بعضنا ..
ربما هي لم تفهمني أو أنني لم أفهمها .. لست أدري

كنت أريد حوارا دون : لماذا و متى و كيف ؟

و كانت تظنني أضعف من أن أستمر ..
تحدثتْ كأي ممرضة رؤوف في ملجأ عجزة تحول أن تقنع عاجزا بالدخول لأن المطر يهطل بغزارة
بينما هو لا يبصرها .. لا يحس بها .. و لا يفقه تلك الألفاظ التي تليق بطفل لا بثمانيني

حاولتُ أن أتذكر أين قرأتُ شيئا من حوارات هؤلاء المتفاهمين لكنني ..
لم أتذكر
فالتفتُ إليها

تنظر إلي مستنجدة كمن يريد إنقاذ صديق نوى الانتحار .. و هو لا يعرف غير اسمه الأول ،
و أنه يسكن مدينة ---- !!

كان ظهرها مفرودا كجندي في حضرة لواء و شفتاها مضمومتان
لكن عينيها تتوسلان .. لكن قلبي لم يفهم رسالتهما .. لكني لست أعرف عم تتكلم !!

و ماذا عن : لماذا و متى و كيف ؟

شعرتُ أنني أخونني .. أخون لحظات ضعفي و خوفي .. أخون تظاهري بالقوة

التفتُ بكلي إليها و همست :
لا .. ليس ببساطة .. لكن الصور المقلوبة قد تجعل كل شيء سهلا
هزتْ رأسها بالرفض ..
انقباض طاف بوجهها آلمني فعدت أهمس :
هدأتِ .. و رضيت برميهم القناع .. فكرتِ .. بعدها لا ندم
غمغمتْ و عيناها تطوفان بوجهي :
لا أفكر .. لا أستطيع .. أنا نادمة على ..
قاطعتها :
الماضي لن يتغير
فهمستْ :
لكن الماضي كما شاؤوا .. أنا كما شاؤوا .. اليوم ..
عدت أقاطعها :
دعي الغد يكون كما تشائين

قالتْ بنبرة مذيع لا يعينيه ما يقرؤه :
لا .. أرفض و أسخط .. لكن الغد يمضي مثل اليوم و الأمس
ليست لدي الطاقة للتغيير ..
الأقل غدا مقبولا و الجيد حلما .. و أحلامي مستحيلا
كلكم ينتفخ كبالون كلما وجدتم شاكيا .. كلكم لا يستحق أن ألجأ له
لستم خيرا مني .. و لست أسوأكم .. لا لست أسوأكم

كررتْها بألم ثم بسخط ثم بحيرة .. تلون صوتها كعشر أصوات ..

تراءت لي عشر لهن ملامحها يحطن بنا
يغمغمن معها ..

صمتتْ لثوان و عادت تتحدث بذهول عن المنتفخين كبالون سخيف ..
عني .. عنها .. عن عيون أحاطتنا بدهشة

نهضتْ دون سلام أيضا .. ابتعدتْ ..

لكن الوجوه العشر ظلت حولي ..
عددتها .. رددت على كل منها .. رفضتُ و قبلت و صمتّ

و لم تعد .. انتظرتها كل يوم لكنها لم تعد ..
قالوا نقلت سكناها .. انقطعت أخبارها .. تغيرت طباعها

لكني بعدما التقيت بها اليوم أدركت أنها لم تتغير
ظلت تلك ( الدمية ) الخزفية ..
تلك التي تنبهر بها و تخشى أن تلمسها لئلا تكسرها

ليس جمالا باهرا ما ميزها و لا حتى جمالا حقيقيا
لكنها كانت مميزة .. في عينيّ على الأقل

و ظلت كذلك مرحة طروبا ..
بدا أثر الأيام عليها .. لكنها لم تتغير

عندما ودعتني لتمضي أبصرت في عينيها الطروبتين .. بريقا زجاجيا !




غموض !