كَمْ عَيْنًا لي ؟!

يظنّ الناسُ أنّ لي – مثلَ كلّ إنسان - عينيْن وكفى ، هما اللتان في وجهي ليسَ إلاّ .
لَعمري إنّه ظنٌّ يردّهُ الوجدان والقلبُ والعقلُ معًا !
فكيفَ ذلك ؟
- أنظر بعينيّ هاتين إلى مَنْ أكرهه لسببٍ ما ، فأراه قبيحًا كريهًا ، وينقبضُ منه قلبي ، ويتمنى عقلي لو أنّه يغيب عني بكلّ السرعة !
- وأنظر إلى الحبيب بعينيّ هاتين ؛ فإذا به أجملُ خلقِ الله ، ينشرحُ له قلبي ، ويرجو العقلُ لو أنّ أرضَ الله كلها اجتمعت تحت قدميه ، فلا يُغادر !
- وأنظر إلى المسكين ، أو الطفل اليتيم ، أو المظلوم الضعيف ؛ بعينيّ هاتين ، فأراه بالدمع الذي فيهما ، وأتمنى لو لم أره .. لو كنتُ أعمى ، ويفور في قلبي الحقدُ والغضبُ على مَن شرّد المسكين ، وأضاعَ اليتيم ، وظلم المظلوم ، ويُفكّر عقلي بالعدلِ والمساواة بينَ خلق الله .
- أرى بعينيّ هاتين البحرَ والنهرَ ، والجبلَ والسهلَ ، والشمسَ والقمرَ ، والليلَ والنهارَ ، والمطر المنهمر ، والزهرَ قبلَ الثمر ، والثمر بعدَ الزهر ، أقلبُ نظري بعينيّ هاتين في مظاهر قدرة الله في السماء والأرض ، في الحيوان .. وفي نفسي ؛ فيخفق قلبي حُبًّا لهُ ، ورَهًبًا منه ، وشوقًاً إليه .. ويخرّ عقلي عاجِزًا ، مُسلّمًا بعظمة الخالق المُبدع !
- أنظر ، وأنظر ، بعينيّ هاتين ، وفي كلّ مرّةٍ تكونان غيرَ عينيّ هاتين .. أطلّ بهما على منظرٍ آخَر ، وشعورٍ آخر ، وفكرٍ آخَر ؛ فكمْ عينًا لي ؟ اللهُ وحده يعلم ..