لَوْعَــةُ الجَوَاهِرِي


..حينما لقيتُه في الحلم على تلكَ الحالِ، ترجَّاني أن لا تصلَ هواجسُه الحرَّى إلى الجيلِ الواعِدِ، المُبعْثَرِ فكرُه بين ربيعٍ مزيَّفٍ، وواقعٍ مُرٍّ، ولكنَّه في الأخيرِ قال بأنَّ هذا الجيلَ سيكونُ في طليعتِه مَن يُقدِّسُ الوطنَ قدرَ تقديسِه للدِّين،، وغطَّ بعدها في ابتسامةٍ تُشبهُ شروقَ أيَّامٍ خلَتْ.


.. على ذراعِه الأيمنِ
كان مُسنِدًا جراحَه للشِّعرِ كالمُعتادْ،،
..حكَّ الحصيرُ جنبَه، معَ المُنى ،،
يُعاود الهمَّ الذي كم هدَّهُ،،
مناورًا كلَّ الجراحِ بالعِنادْ.
.. قبَّلتُه، وقلتُ بعدَ شهقةٍ:
" يا شيخُ، حنَّ خافِقي اليتيمُ
أن يطالَ سمعَهُ الوجَّاسَ،،
منكَ بيتُ شعرٍ عن أيَّامنا الأنكادْ،،
.. وهل تَراكَ " دجلةُ الخَيراتِ"
مثلما كانتْ تلقاكَ سيِّدًا
على ذُرَى " بغدادْ"..؟!".
..ولاحَ في مَوْقِ الحكيمِ حزنُهُ
دمعًا يُراقصُ الحنينَ ،،كم به منْ
جِذوةٍ مَسعورةٍ بحُرقة الأكبادْ..!
..وردَّ في استكانةٍ:
" يا أيُّها الفتَى المسكونُ بالأمجادْ؛
غناؤُنا للوطنِ المكلومِ بالوباءِ،،
شانهُ المَسْخُ الغريبُ بامتيـازْ..!
مُعقَّمٌ،، مفخَّخٌ بالزَّيفِ والنَّشازْ..!
تحتاجُه البهائمُ الصَّرعَى نُخالةً،،
وللجفافِ سلعةً مِن أجودِ السَّمادْ.
..والكلُّ يحملُ السِّلاحَ
شاعرًا بوثبةِ البُطولَــهْ !!
فَـ"داعشٌ " و"القاعدةْ "،،
قبلَهُما حُروبُ " أيَّامِ العَربْ "..!!
.. والوطنُ المشطورُ ألفَ قطعةٍ،،
يحتاجُ للدَّليلِ كي يسافرَ السَّلامُ
فيه دونَ لوعةٍ،، وزادُهُ الرُّجُولـهْ.
يبحثُ عن عَدُوِّهِ اللَّدودِ في الكُتبْ.
.."بغْدادُ" لم تعُدْ بغْدادَ.. يا ولدْ..!
و"الشَّرقُ"- صارَ جيفةً- مُهْتَرِئُ الجسَدْ،،
وذا "الرَّبيعُ" _لعنةُ الله عليه_ لعبةٌ سوداءْ..!
تُوزِّعُ الماءَ على البُغاةِ والجُباةِ،،
تحرمُ اليتامَى،، وقبلَها الإمَــاءْ..!
ونحنُ تائِهونَ،، تائِهونْ!!
..مَنْ مزَّقَ البلدْ..؟!
مَنْ شرَّدَ البحرَ الصَّفيَّ حينَها،،
ودلَّلَ الزَّبدْ..؟!
والشِّعرُ لم يعُد للنّاسِ "ديوانَ العربْ"...
والحبُّ تأويلٌ سخيفٌ للرَّدى،،
مُكتنِـزٌ بألوانِ الغضبْ..
..كلُّ المدائنِ الخضراءِ صارتْ
قُبَّةً للنَّارِ،، بلْ؛ فوضَى.. صخبْ.
تسعُونَ عامًا يا فتى في الغُربةِ الشَّهباءِ
لم تزلْ في القلبِ كالذِّكرى،،
كأنفاسٍ تفُـورْ!!
لكنَّ طعمَ الوطنِ المسكينِ
وسْطَ الجدولِ الرَّقراقِ،،
خلفَ التَّلَّةِ النَّوَّارِ،،
كان رغمَ بؤسِ الزَّمنِ الدَّوَّارِ ذاكَ..
حَفنةً من نـُورْ !
فأينَهُ اليومَ من التَّهجيرِ، والتَّهويدِ
والتَّسويفِ.. يا فتَى القَضيَّـهْ ؟؟
.. والطَّائفيَّـهْ..؟!
فلا تسَلْ عن فتنةِ البليَّــهْ !
والقومُ تائهونَ،، تائهونْ!
مُشرَّدونَ بينَ مسلمٍ يختالُ كبرياءً..ببزَّةِ السَّلفْ،،
وبينَ مسلمٍ تَعَوْلَمَتْ أفكارُه،،فلَجَّ في سرابِ
المُرتَجَى،،وضيَّعَ الهدفْ!
وبينَ "ذَا" و"ذَا" تُستَنْزَفُ الهَوِيَّــهْ".
قلَّبتَ يا فتَى مواجِعي،،
وها بِها تناثرتْ كما الصَّدى..
..وخانَها الـمَدَدْ.
لكنَّه البركانُ؛ حينمَا تُسْتهْجَنُ الوُرودْ،،
يُشْتَمُّ ضَوْعُها الفَريدُ بالإكراهِ من بعيدْ،،
وتخزنُ الأشواكَ كلَّما تُسوِّلُ الرِّيحُ لِشَانِيها العنيدْ،،
بأنْ ينالَ مِن رُضابِها الشَّهيِّ ما يُريدْ.
..سيشرقُ الرَّبيعُ- بعدَهُ الشِّعرُ- على رُبى النُّفوسْ،،
ويحملُ الفلاَّحُ مَيْرَهُ للأرضِ والسُّلطانِ والعبيدْ،،
كلُّ النِّساءِ حينها سيغزلُ الأفراحَ نَوْلُها العتيقْ،،
وتشردُ الأطفالُ كالحَمامِ في المَدَى، ويفرحُ الصَّديقْ،،
ومَنْ كَوَى الأجفانَ سوفَ يكتوي بغيظِه السَّقيمِ،
لنْ يفُكَّ أسرَهُ سِوَى همٍّ نكيدْ.
فلا تخفْ؛ الوطنُ الجميلُ سوفَ يحتمي بحبِّنا،،
ويفرشُ الأحلامَ من جديدْ،،
يُقيمُ في عَرائِشِ الأيتامِ عُرسَه،،
مُدلَّلاً بالخيرِ، والجلالِ، والهناءِ،،
سائقًا في الحفلِ كلَّ فرحةٍ تُعتِّقُ النَّشيدْ،،
..وخلفَ كلِّ ربوةٍ ستمْرحُ اليتامَى،، وترقُصُ الأيامَى
..وألتقيكَ يا فتى،، وتسمعُ القصيدَ حينها،،
بنشوةِ الشَّهِيـــدْ.


الجزائر/ 20 رمضان / جويلية - يوليو 2015