بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة على رسول الله وآلهِ وصحبه

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته


قَبْلَ أنْ أَبْدَأُ،أُرِيدُ رَعَاكُمُ الله وَحَفِظَكُمْ،أَنْ أُبَيِّنَ لَكُمْ أَمرَينِ مُهِمَّينِ،وَأَتَمَنَّى.



أَوَّلَهُمَا: أَنَّ النَّقْدَ يُعَدُ قِمَةُ هَرَمِ الأَدَبِ ، وَعَلَى النَّاقِدِ أن يكونَ مُتَمَكِّنَاً مِنْ أَدَوَاتِهِ،جُلَّهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ جَمِيْعِهَا،فَنَاقِدُ الشِّعرِ لابُدَّ لَهُ مِنْ أَدَوَاتٍ،مِنْهَا على سبيلِ المثالِ لا الحصر:أن يَكونَ عالماً بعُلومِ العَروضِ والقافيةِ(لايكفي أن يكونَ عارِفاً) فَمَعرِفةُ الشيءِ غَيرُ العِلمِ بهِ؟ ذلكَ أنَّ مِنَ السهلِ عليكَ أن تعرِفَ أن الكاملَ يتألفُ من متفاعلن،لَكِنْ عِلمِكَ بعَروضهِ وأضرُبِهِ والزُّحافات والعلل التي تطرأ عليها، وَأَيِّهَا حَسِنٌ وأَيِّهَا مكروهٌ وما هوَ مُستساغٌ منها في هذه القصيدة أو تلك إلخ، يحتاجُ إلى علمٍ(دراسة)،وَكسناد التأسيس في القافية مثلاً،ثُمَّ اللغةُ وهيَ أهمُ أدواتِ الناقد،فاللغةُ ليست النَّحوَ والصرفَ أو الإعرابَ فحسب،إنما البلاغةُ وفيها علوم،والبيانُ وفيه علوم،والمعاني وفيهِ علوم،والبديع وفيه علوم إلخ،ولابُدَّ (حَسْبَ ما أرى) أن يكونَ ناقدُ الشعرِ شاعرْ، فالشاعرُ يَتَفَهَّمُ لماذا استُخدِمتِ الضرورةُ هنا مثلاً؟ وكذلك هوَ الأقدرُ على تَبْيِّنِ الصورِ والأخيلةِ الشعريةِ في القصيدة،واعلم رعاك الله أنْ ليسَ كل مايأتي بهِ الناقد من تأويل هوَ الأنسبُ،قد يبتعد الناقد عن مرمى الشاعر؟وقد يُسيءُ الناقد؟فيشوه وجه النص إما جهلاً وإما عن قصد؟وهذا هُوَ المُغرَضُ،أعوذُ بالله أن أكون منهم،ومهمةُ الناقد كما أرى هيَ الغوص في باطن الكلمات ليستخرجَ من جوفها معانيها ثُمَّ يُقدمها إلى القاريء بسيطةً يسيرة،وكما ذكرتُ أعلاه:لابُدَّ أن يكونَ هذا الغواص على درايةٍ وعلمْ،وقد يكونُ على درايةٍ وعلمٍ لكنهُ جهلاً يقعُ في محظور المُحاباة كونُ الشاعر صديق؟فلا يتناول العيوب فيخرُجُ على الشرعية(موضوعية النقد)،وقد تكونُ بينهُ وبين الشاعرِ ضغينةٌ فيرتدي عباءة القاضي الجلاد فيحاكم الشاعر ويحكم عليه بغير حق ،وأنا أنصحُ في كل الأحوال أن لايتأثر الشاعر بالناقد،لِيَستَفيدَ فقط من تحليلهُ للنص في معرفة مواطن الضعف فَيَتَلافاها ومواطن القوة في شعرهِ فَيُطَوِّرَهَا.

ذكرتُ هذا الأمر تَنَصُّلاً عن المسؤوليةِ،لأنَّ النَّقْدَ مَسؤوليةٌ كُبْرَى ،وَأَدواتي في هذا المجال مُتَواضِعةٌ،وما أُقَدِّمُهُ في هذا الباب هُوَ جُهْدُ (هَاوٍ وليسَ مُحترفٍ) فأنني أرى بممارسة النقد(الذي يتطلبُ مني وقتاً وجهداً كبيرينِ يصلُ الثاني أحياناً حَدَّ الإعياء من كثرة التأَمُّل وعصر الذهن لإستخلاصِ طاقتهِ) تَطويراً لإمكاناتي الأدبية وتحسيناً لأدواتي كشاعر أولاً وناقد ثانياً،وفي النهاية هُوَ اجتهادٌ مني قدْ أخطأُ فيهِ وقد أُصيبُ، ثُمَ فائدةُ الذينَ أتناولُ شعرهم ،فأنا (الشاعرُ)لاأستطيعُ أن أَتَبَيَّنَ عيوبَ قصيدتي أو محاسنها إلا عن طريق مِشرطِ الناقد.

والثاني:هُوَ أَنَّنِي لابُدَّ أُخطِيءُ واللَّحنُ مِنِّي وَاردٌ واقعْ،كَأَنْ أَضَعَ الضادَ محلَ الظاء،أو العكس،أو أن أَضُم الماضي وأفتح المضارع،أو أَنصب المُبتدأ،فَإِنْ وَجَدتَ مِنِّي هذا،وَنَبَّهتَنِي عَليهْ،مَلَكْتَ ناصيتي وجعلتني لكَ شاكراً، ولِفضلِكَ ذاكراً ،وَهُوَ والله لَعِنْدِيَ أثوبُ من قولِكَ أحسنتَ،رائع،أجدت،إلى غيرها من عبارات المجاملة والملاطفة،التي لاقيمةَ لها بَينَ أهل الكلام ودارسيهِ ولا فائدة منها ،حَتَّى وَإِنْ تَنَاوَلتَ لَحني بِسُخريةٍ أو استهزاءٍ،كما يحلو للبعض مِنَّا أن يتناولَ عيوبَ الآخرينَ باستهزاءٍ (إسلوبُ تسقيطِ الآخرين شائعٌ عندنا نحنُ العرب)إفعَل هذا إن شِئتَ أن تفعل،فأنا المُستفيدُ في النهايةِ ولن تجدني منَ الغاضبين،على العكس من ذلك ستجدني فَرِحَاً،بل غَبِطْ لإصلاحِ خَلَلٍ وقعتُ فيه أو لحنٍ أتيتُهُ سهواً أو جَهلاً؟لَسْتُ بِمُدَّعٍ العِلمَ؟إنما هُوَ اجتِهَادٌ بِكُلِّ مَا أَملِكُ مِنْ خِبْرَةٍ في هذا المجال،قَدْ تَكونَ دوني فَأَتَعَلَمُ مِنْكَ،وَقَدْ أَكُونُ دونكَ فَتَتَعَلَّمَ مِنِّي هَذا لَيسَ عَيْبَاً ولا انتقاصاً،بل عليكَ وعليَ طَـلَـبُـهُ.


وَأَتَمَنَّى أن لاتَأخُذَ نقدي للقصيدة مَأخَذَ الإنتقاصِ من الشاعر أو من تَمَكُّنِهِ مِنَ القريض،وكذلك أُمنيتي هذه على الشاعر وأحسبُهُ واسعَ الصدرِ قابلَ النقدِ كريمَ الخُلُقِ،وما النقدُ إلا رأيٌ وَتأويلٌ ليسَ بالقطعِ أن يكونا صائبينِ.



إليكَ قصيدة ماجد الخطاب الفائزة كما نُشِرَتْ


جَسدٌ تُراقِصُ جرحَه الآلامُ ***وعليه حدّ ُ الذل راح يُقام
لم َيبقَ منه سوى بقية عزة ٍ ***تصحو على أطلالها وتنام
جرفتْ رياح القهرعطرَ وروده ***وتعطلت عن عشقه الأنسام
قتلوه إرهاباً وقالوا هكذا ***سيكافَحُ الإرهاب والإجرام
كسروا كؤوس الحب فوق شفاهه***ليموت فيه الحب والأحلام
سرقواعناقيد الكروم ..وتينَها ***لم يَبْقَ لا كَرْم ٌ..ولا كَرَّام
* * *
ياغصة الشعراء .. هل مِن قُبلةٍ ***فيها على شفة السكوت كلام
ماعدتُ أكتب للجمال قصائدي ***فالعشق في زمن الهوان حرام
عبث السراب بيانعات مشاعري ***فأنا ونهر العاشقين حطام
غربتْ بعصر الكره شمس بلاغتي ***لا الحُسْن ُ يُرجِعها ولا الإلهام
هذا زمـان لا يعانق أمّـة ً ***سكنت بنبض دمائها الأنغام
هذا زمان الأقوياء .. إلى متى***نأتي ونذهـب والخصام خصام
هذا زمان الأقوياء ..إلى متى ***تُسبى الرعية والرعاة نيام
صدئتْ سيوف الفاتحين ولم يعد ***فوق الخيول (قتيبة ٌ) و(هشام)
وجميع أحلام العروبة صُودِرتْ ***وتنكرتْ لرجالها الأيـام
ضاعت (نياشين) البطولة والفدا ***لم يبقَ من صدرٍعليه وسام
رحنا نقدس رهبةً حكامَنا ***حتى تَألَّهَ عندنا الحكام
لن يكتب التاريخ فصل هوانهم ***كي لاتشوه وجهه الأسقام
مَنْ ضَمّ (خالدَ) و(الرشيدَ) بسِفْره ***يأبى به أن تُذكر الأقـزام
تُشفَى الجراح مع السنين وتنتهي ***إلا جراح الذل لا تلتام
* * *
سافرتُ في البلدان أبحث عن غدٍ ***تُمحَى به من دفتري الآثـام
فإذا البلاد على العزاء مقيمة ***ورجالها ونسـاؤها أيتام
ودفاتر التاريخ تنعي مجدها ***وتموت فوق سطورها الأقلام
قلب الزمان وبُدِّلت أشياؤه ***وعَلتْ رؤوس فَخاره الأقدام
الطيبون مخالب وأظافر ***والمجرمون بلابل وحمام ؟!!
أوَ كلما نزلّتْ هناك َ مصيبة ***فأنا بها دون الجميع أُلام ؟!
أوكلما هُدمت هناك دُويرة ***فأنا السفيه الظالم الهـدام ؟!
أوكلما في الغرب ماتت نملة ٌ ***قالوا وراء مماتها الإسلام ؟!
هم يعملون بألف..ألف وسيلة ***ليصير سـيد عصرنا حاخام
لن يطفئوا نور الحياة بحقدهم ***مهما تواعد في الظـلام لئام
قل للذي في الحزن ظن زوالنا ***نحن البقاء وثغره البسام
هي حقبة وتَمُر..لا طاغوتها ***باقٍ ولا الخُـدام والأزلام
من هذه الأرض الأبية يبتدي ***نور الحياة وينتهي الإظلام
عرب..وتعرفنا الفضائل والنهى ***ولنا بما فوق النجوم مقـام
بلساننا نزل الكتاب..وحسبنا***منا (الرسول ( وصحبه الأعلام
نحن الحضارة قبل كل حضارة ***ولنا بكل حضارة إسهام
نحن الحقيقة والوجود وجودنا ***والآخرون جميعهم أوهام
نحن العدالة والشرائع والرؤى ***من خُلْقِنا تُستنبَط الأحكام
و إلى روابينا الأبية ينتمي ***عِلْمُ الفداء .. وشيخه(القسّام)
* * *
يا أيها الوطن الذي علمْتَنا ***أنّ الحياة محبة ووئام
يا أيها الوطن الذي علمتنا ***أن الحكاية وردة وحسام
أقدارنا أنا نمد قلوبنا ***جسرا ً لتعبر فوقه الأقوام
نحن القلوب المفعَمات مودة ً ***وقساتها حين البلاد تُضام
أعلامنا خفاقة..وبحبنا ***ستظل تخفق هذه الأعلام
أصنام عصر الجاهلية حُطِّمتْ ***وغداً تُحطَّمُ هذه الأصنام
=============


إعلم رعاك الله أنَّ ما يَشُدُ القاريءَ إلى أيِّ قصيدةٍ،موضوعها ومناسبتهِ ومواكبتهِ للحال وليسَ بناءها أو سبكها أومتانتها،على الإطلاق،فإن لم يلامس موضوع القصيدة مشاعر القاريء وحالهِ، مَرَّ عليها دونَ أن يبقى في بالهِ شيئاً منها،وإن كانت متينةٌ، ودليلي في هذا أن هنالك قصائدٌ بلغت غاية السبك ومنتهى البناء إلا أنها غير متداولة ولامذكورة بينَ العامة،وسأضربُ لكَ مثلاً قصيدتي المرحوم الجواهري الذي لُقِّبَ بشاعر العرب الأكبر (محمد مهدي الجواهري) والقصيدتين هما (دجلة الخير،ويافا)


فالأُولى ومطلعها:
حَيَّيْتُ سَفْحَكِ عَنْ بُعْدٍ فَحَيِّيْنِي*** يَادِجْلَةَ الخَيْرِ يَا أُمَّ البَسَاتِيْنِي
والثانية ومطلعها:
بِيَافَا يَوْمَ حُطَّ بِهَا الرِّكَابُ***تَمَطَّرَ عَارِضٌ وَدَجَى سَحَابُ


فالأولى وهيَ الأشهرُ ليست تامة السبك متينةُ البناءكما الثانية،وإليكَ مثالْ من مطلعها(عن بعدٍ) البُعْدُ مَسَافَةٌ ،والمسافةُ ليست في كلام العرب فحسب إنما في أغلب اللغات إن لم يكن كلها تُقَاسُ بمن إلى: أي أنَّ الأصوبُ أن يقولَ من بُعدٍ وليس عن بُعدٍ،وكذلك السفح يُريدُ منهُ السهل،فالمشهور في كلام العرب السهول لضفاف الأنهار وليس السفوح التي هيَ طرقُ الجبال وممراتها؟لاأريدُ الإسهاب هنا: فقط لأُبَيِّنَ أنَّ الأولى على عيوبها هِيَ الأشهر وعلى الناقد أن يأخُذَ هذا في عين الإعتبار، وهنالك أمثلةٌ أُخرى من شعر أبي الطيب وأبي تمام وسلاف ود.جمال ود.سمير وعيسى جرابا وغيرهم مِن فحول شعر الأمس وفحول شعر اليوم.


الخلاصة من ما أردتُ قولهُ هوَ أن الناسَ (والناقد منهم) تتأثر بالموضوع على حساب الجودة.

التناول:
عروض القصيدة:
جَسَدٌ تُرَاقِصُ جُرْحَهُ الآلامُ ***وَعَلَيْهِ حَدُّ الذُّلِّ رَاحَ يُقَامُ
(ج،سدن،ترا،ق،صجر،حهل،اآ،ل ،مو=و،علي،هحد،دذ،ذل،لرا،ح ،يقا،مو)
أو هكذا لمن يستخدمون الطريقة القديمة في التقطيع:
(جسدنترا/قصجرحهل/اآلامو=وعليهحد/دذذللرا/حيقامو)
(331 331 222 =331 322 231 )
أو هكذا لمن يستخدمون الطرق الأخرى غير الأرقام:
///ه//ه ///ه//ه /ه/ه/ه=///ه//ه /ه/ه//ه ///ه/ه
أو هكذا: ///5//5 ///5//5 /5/5/5=///5//5 /5/5//5 ///5/5

كثيرةٌ هيَ طرق التقطيع العروضي،وكذلك الرموز،لكنها لأصلٍ واحدٍ،ألا هُوَ إبداعُ الخَليلِ بن أحمد رحمهُ الله
لاحاجةَ لكَ/لكِ بها أخي/أختي الشاعر/الشاعرة، إن عرفتَ/عرفتِ التفاعيل وتراكيبها: الأسباب والأوتاد والفواصل.


من خلال التقطيع العروضي حصلتُ على(مُتَفَاعِلُنْ، مُتَفَاعِلُنْ، مُتْفَاعِلْ= مُتَفَاعِلُنْ، مُتْفَاعِلُنْ، مُتَفَاعِلْ) وهذه هيَ تفعيلة بحر الكامل بزُحافِهِ الحَسِنْ الشائع الخَبَنْ(وزحاف الخبن هوَ:تسكين الحرف الثاني المُتَحرك من السبب الثقيل فيكون مُتْ بدلاً من مُتَ فَيُصبِحُ سَبَبَاً خفيفاً)وعروضهِ وضربهِ الشائعينِ أيضاً (مُتْفَاعِلْ) أَحَدُ أَكثَرِ أَضرُبِ الكاملِ استخداماً((العَروضُ أو العَروضَةُ كما أحبُ تسميتها تمييزاً لها عن كاملِ العلم هي التفعيلةُ الأخيرة من الصدر،والضَربُ هُوَ آخِرُ تَفعيلةٍ مِنَ العُجُزْ))،سماعياً لاتُوجَدُ هنةٌ عروضيةٌ واحدة في باقي أبيات القصيدة،ولأنَّ عندي تمارين كثيرة من الكامل،لن أقطع كامل القصيدة.



هكذا عرفنا نسبَ القصيدة (الكامل) وهوَ من البحور الصافية: ((الصافية هيَ التي تتألفُ من تَفعيلةٍ واحدةٍ)) وهنا هِيَ مُتَفَاْعِلُنْ .


سَأَقُومُ بِتَرقيمِ الأبيات لطول القصيدة حتى تَسهُلُ عليَّ وعليكَ العودةُ إلى أيها شئنا،وَسَأرفعُ الأقواس وأُزيلُ النقاط وكذلك الفواصل التي لاموجبَ لها،كما سأقومُ بتحريكِ الحروف حتى تُقرَأَ الأبياتُ قِرَاءَةً صحيحةً، وسأتركُ بعضَ الأبيات دونَ تأويلٍ،إِمَّا لِوُضوحِ البيت وَحُسنُ سَبْكِهِ وَبتَأويلهِ أَخشى الإسهابُ، وَإِمَّا لِخِلِوِّهِ من صورٍ وَأَخيلةٍ شعريةٍ(من وجهة نظري!)وَسَأذكُرُ العُيُوبَ أكثرُ مِمَّا أذكُرُ المَحَاسِنَ ناشداً الفائدةَ لا الإنتقاصُ أو النيلِ من الشاعر فَأنا فَوقَ هذا وذاك.


هُنَالِكَ أمرٌ نَسِيتُهُ في مقدمتي؟
وَهُوَ: قَدْ لايَتَطابَقُ تَأوِيلي مَعَ مُرَادِ الشاعرِ، فالوصولُ إلى غايةِ الشاعرِ ومُرامِهِ تَمَامَاً، من المستحيلات؟يبقى شيءٌ لهُ دوننا .






جَسَدٌ تُراقِصُ جُرْحَهُ الآلامُ ***وَعَلَيْهِ حَدُّ الذُّلِّ رَاحَ يُقَامُ



الجَسَدُ لاشَكَّ أَرَادَ بِهِ الشاعرُ(أُمَّةُ العَرَبِ وَهُوَ عنوانُ القصيدة،قد نأخذُ عليهِ عروبيته على إسلاميته) وَهُوَ ضَربٌ مِنْ ضُروبِ التَشبيهِ في علم البيان(تشبيهُ مَجَازٍ) حَيثُ شَبَّهَ الأُمَّةَ بالجسد،والنَّكَبَاتِ بالآلام،ولكثرةِ هذه النكبات(الآلام) فهيَ تُراقِصُ جُرْحَهُ،واختيارهِ لمفردة الرقص فيهِ ذكاءُ اختيارٍ،حيثُ أن الرقصَ أو التراقُصَ فيها حركةٌ دؤوبةٌ مُستمرةٌ وهيَ هنا كنايةٌ عن التكرار، والجرحُ :هوَ الهوان الذي بِتْنَا فيهِ(الجسد) منذ دهرٍ من استباحةٍ للحُرُماتِ واحتلالٍ للأرضِ وانتهاكٍ للأعراض؛ تشبيهٌ أراهُ بديعاً،وعلى هذا الجسد(الأمة) راحَ يُقامُ حَدُّ الذُّلِ،والحَدُّ: لَهَا مَعانٍ في كلامنا،منها العقوبةُ على جُرمٍ ،جَعَلَ الشاعرُ من الذل وهوَ (حالٌ) عقوبةٌ،ولم يُشِرْ مَنِ المُعَاقِبُ، لكن هذا لايخفى على فطنة العربي ،إه سبحانَ المُعِزْ المُذل أذلنا يومَ ابتعدنا عن منهج الحق،أمرنا أن لانَتَفَرَّقَ فَتَذهَبَ ريحنا فإذا بنا،مِلَلٌ ونحل،طوائفَ وشعب،مذاهبَ وفرق، يُكفرُ بعضنا بعضاً على الإختلاف الذي وصفهُ رسول الله (ص) على أنهُ رحمة،أمرنا أن نَتَنَاصَرَ فإذا بنا عوناً للمُعتدين،أمرنا القِسْطَ فإذا بِنَا نَظلِمُ بعضنا بعضاً،أمرنا أن نأخُذَ بأسبابِ القوةِ فإذا نحن كالأنعام تأكل لتنام وتستيقض لتأكل،آسف لهكذا وصف،لكن هذه حقيقتنا التي أراها منذ أن خالفنا منهجَ الخَلَفِ الصالح أتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم من صحابتهِ وآل بيتهِ مصابيح الهدى رَحِمَهُم الله وطَيَّبَ ثراهم، لاأطيل فالمعنى قَدْ تَبَيَّنَ وَفَصَحْ،واستهلاله ينم عن فطنةٍ،حيثُ استهلَ بالجسد الذي هوَ محور قصيدته وليس سواه .


2لمَ يَبْقَ مِنْهُ سِوَى بَقِيَّةِ عِزَةٍ ***تَصْحُو عَلَى أَطلالِها وَتَنَامُ


يقول:لم تبق من عزة هذا الجسد(الأمة) إلا بقيةٍ يصحو على هذه البقية وينام، وَبِمَا أَنَّ الجَسَدَ مُذَكَّرٌ كانَ عَلَيهِ أَنْ يقولَ يَصحو وينام بَدَلَ تَصحو وتَنام ،إِلا أَنَّ مَا في بالِ الشاعرِ وَمَقصُودِهِ سَاعَةَ كَتَبْ،الأُمَّةُ فَأَنَّثَ الجَسَدْ دُونَ حِذَرٍ مِنهُ،حَدَثَ هذا معي ،والبَيِّنُ في هذا البيت مدى التشاؤم عند الشاعر، فحتى هذهِ البقية جعلها أطلال،والطَّلَلُ:الشاخص من آثار الدار أي ماتبقى منها مُنتَصِبَاً،ونحنُ نُسَمِّيهَا الخَرَائِبْ،أي لاأملَ منها،كما سَيُفِصِّلْ لاحقاً.


3جَرَفَتْ رِيَاحُ القَهْرِعِطْرَ وُرُودِهِ ***وَتَعَطَّلَتْ عَنْ عِشْقِهِ الأَنْسَامُ


هُنا تشبيهٌ آخرَ غاية في الإبداع في الصدر حيثُ شَبَّهَ العقول من(العلماء والفقهاء والأدباء والأطباء والمهندسين وذوو الخبرة من المختصين) بالورود،وماعِندَهُم من(خبرةٍ وكفاءةٍ وتَمَيُّزٍ وإبداعٍ إلخ) بالعِطرْ،وقمعُ واضطهادُ الحُكَّامِ والمُجتمعِ(أحياناً) برياحِ القهر،وهذا ليسَ خَفِيْ،أَينَ أَإِمَّتُكُم(1) لاأقصِدُ أَإِمَّةُ الدينِ أَوالمذهبِ،بل الفكرِ والطبِّ والهندسةِ،وغيرها من العلوم،خارجَ الأوطانِ بالتأكيد؟وما ابتعادُهُم عن الأوطانِ لبَطَرٍ كما تروجُ بَطَانَةُ الحُكَّامِ بل لِقَهرٍ وَقَمعٍ؟وَبِمَا أَنَّ رياحَ القهر جَرَفَتْ(أذهبت) عِطرَ هذهِ الورود،لابُدَّ للأنسامِ أن تَتَعَطَّل،فَلا بِناءَ وَلاتَنْمِيَةَ ولاتطويرَ،إلا بهؤلاء،وهؤلاءِ مُبعَدونَ؟وَتَعَطَّلَتْ:ا أولى فَتَعَطَّلَتْ،جَرَفَتْ فَتَعَطَّلَتْ،جَرْ وليسَ عَطف.

هكذا: جَرَفَتْ رِيَاحُ القَهْرِعِطْرَ وُرُودِهِ ***فَتَعَطَّلَتْ عَنْ عِشْقِهِ الأَنْسَامُ




4قَتَلُوْهُ إِرْهَابَاً وَقَالوا هَكَذا ***سَيُكَافَحُ الإرهَابُ والإجرَامُ


لهذا البيت تأويلينِ:ماتفعلهُ أمريكا والغرب عموماً ضِدَّ المسلمين في بلاد العرب،أو ما يفعَلهُ حُكَّامُ المسلمين من بلاد العرب ضدَّ مُخالفيهم فأمريكا وإسرائيل تقتلنا بتهمة الإرهاب،وحكامنا كذلك ؟ودليلُ ذلك مايحدث في السعودية واليمن ومصر والعراق((من قتلٍ للمسلمينَ المُسَلَّحينَ الذينَ يُطالبونَ بسيادةِ الإسلامِ بقوةِ سلاحِهِم ورفعِ يَدِ أمريكا عن بُلدانِهم المُسَيِّرَةِ لِحُكَّامِهَا)) ليست وجهةُ نظري بل هيَ وجهةُ نظرهم وَجَبَ التنبيه؟وهذا أيضاً ليس بالخفي، لا يَنْكرهُ مُنصِفٌ قاسِط،ولايُفَنِّدُهُ جاهلٌ ساقِط،فَكُلُ شَيءٍ مُأَرْشَفٌ بالصوتِ والصورةِ ،وَمَاحَدَثَ وَيَحْدُثُ في الشيشانِ وأفغانستانَ وفلسطينَ والعراقَ مِن قَتْلٍ وَتَقْتِيْلٍ بتُهمةِ الإرهاب، لدليلُ الشاعر فيما ذهبَ إليهِ،أصحابُ الأرضِ المدافعينَ عنها بسلاحٍ قديمٍ وبلحمِ وعظمِ وعصبِ ودماءِ أجسادهم (الإستشهاديين(2))إرهابيينَ مجرمينَ لدفاعهم،والغزاة المدججين بأحدثِ الأسلحةِ الفتاكةِ أصحاب الحق والمظالم ثُمَّ الأمرُ مِن بعد،لابُدَّ أن تقومَ الساعةَ بعدَ أن باتَ الحقُّ باطلاً وأصبحَ الباطلُ حقا.


أما الحُكَّامُ ففي أرض الحرمينِ ومايحدثُ (للقاعدة)،أتباعِ أُسامةَ بن لادن وأنصارهِ معروف،وفي اليمن ماحدثَ لأنصار الحوثي،وفي مصر ماحدثَ للإخوان المسلمين،وفي العراق مايحدثُ لِمُقَاومي المُحتل تحديداً؟

5كَسَروا كُؤوسَ الحُبِّ فَوْقَ شِفَاهِهِ***لِيَمُوتَ فِيْهِ الحُبُّ والأحَلامُ


أَعُدُّ هذا البيت كسابقهِ من حيث الصورة (قتلوا قمعوا عَطَّلوا أذْهَبوا إلخ،والمقابل الموت والخراب واليأس إلخ) وصورتهُ واضحة.

6سَرَقوا عَنَاقِيْدَ الكُرُومِ وَتِيْنِهَا ***لَمْ يَبْقَ لا كَرْمٌ وَلا كَرَّامُ


هُنَا إِستِعَارَةٌ جميلةٌ للكروم والتين،ولو بقيَ على الكروم والكَرَّام من دونِ التين،كانَ أجملُ للإستعارةِ،وأدقُّ للتحديد،فالتينُ هنا دخيلةٌ مبتورةٌ لاوصلَ لَهَا،بينما الكروم وصلها الكَرَّام، فلو قال: سَرَقوا عَنَاقِيدَ الكُرُومِ،وَإِعْتَدوا*** لَمْ يَبْقَ لا كَرْم ٌولا كَرَّامُ،أو(مِنْ كرمٍ ولا كرام)فَبِالسرقةِ لم تبق كُرومٌ،وبالإعتداءِ لم يبق كرَّامْ،أي: لَلزَّرعُ ولا الزَّرَّاعْ(3) الذي هُوَ الزارعُ،قد تقول كيفَ ربطت؟عندها أقولُ لكَ إربط بينَ سرقة الكروم وعدم بقائها، وبينَ الإعتداءِ على الكَرَّام وعدم بقائهِ هكذا؟ وقد تقول كيفَ لي أن أفهم أنَّ الإعتداء على الكرام دونَ سواه؟عندها أقولُ لكَ ليس سوى الكرام هنا؟
وتأويلُ هذا البيت يَعودُ على ماسبقَ ويواكِبُ ماسيلحق،فقد جعل الشاعرُ من خيراتِ البلادِ كروم (والخيرات جامعة)وصانعيها ومُسَبِّبِيها ومبدعيها ومنشئيها كَرَّامِيْنَ، وَيُمكِنُ أن يكونَ المقصودُ بالكَرَّامِ صاحبَ الكَرْمِ لا مُبْدِعَهُ كما ذهبتُ إليهِ أنا،وعلى مذهبي فإنكَ على اطلاعٍ ودرايةٍ بسرقاتِ حُكَّامنا ومن ورائهم الغرب لثرواتنا،فالأمر لايحتاجُ التفصيل.


7يَاغُصَّةَ الشُّعَرَاءِ هَلْ مِنْ قُبْلَةٍ ***فِيْهَا عَلَى شَفَةِ السُّكُوتِ كَلامُ


إِنتَقَلَ الشاعرُ مِنْ هُنَا وَنَقَلَنَا مَعَهُ،وقد فَصَلَ هُوَ،بنُجومٍ ثلاث بين الأبيات السابقة وهذه الأبيات لِيُعْلِمَنَا أنَّ هُنالكَ تَحَوُّلٌ في الوصف،مِنَ الجَسَدِ(الأمة) إلى حالهِ هُوَ،وكذلكَ واعِظَاً،كَمَا سَيَأتي،وقولهُ ياغُصةَ الشعراءِ،يريدُ ياوَجَعَ الشعراء وآلامِهِم هل مِن كلامٍ يَخرُجُ من رَحِمِ السكوت يُريدُ بذلك صورةً ناطقةً،والشاعر أعلم.


8مَاعُدْتُ أَكْتُبُ لِلْجَمَالِ قَصَائِدِي ***فَالعِشْقُ فِي زَمَنِ الهَوَانِ حَرَامُ


المُهِمُّ والأَهَمْ(الأسبقيات) ثُمَّ زَجْرُ النَّفْسِ أو التَصَوُّفِ والإعتزالِ (حرمانُ الذاتِ) فَقَد حَرَّمَ الشاعرُ على نَفسِهِ الكِتابَةُ للجمالِ والعشقِ والغرامِ إلخ،يقولُ الشاعرُ أنَّهُ لم يَعُدْ يكتبُ للحب والتَغَزُّلِ بعيونِ الغانياتِ ووصفِ الغيدِ الفاتناتِ،كَمَا هُوَ دَأبُ الشعراء،لأَنَّ هذا في زَمَنِ الذُلِّ والهوانِ حرامٌ،شُعُوراً مِنهُ بالإحباط,كَمَا هُوَ حالُ أغلَبِ الشعراءِ اليوم،ولِسَانُ حالهِ يقولُ كيفَ أكتبُ للعشقِ والغرامِ ونحنُ في ذُلٍّ وهوانٍ.


9عَبَثَ السَّرابُ بِيَانِعَاتِ مَشَاعِرِي ***فَأَنَا وَنَهْرُ العَاشِقِيْنَ حُطَامُ



هذا البيت ضعيفُ السَّبْكِ رَكِيْكَ المَعنَى، فالسرابُ لاشيء؟كَيفَ يَعْبَثُ اللاشيء بالمشاعر؟ ثُمَّ كيفَ يكونُ النهرُ حُطاماً؟لاخيالَ ولاصورةَ تتوافقُ مَعَ هذا المعنى؟فلو قالَ عبثَ السوادُ أو القهرِ أو الطغاةِ أو التشائمِ أو غيرها،فأنتَ تستخلصَ منها السوءَ كصورةٍ،وَدَالَّتِكَ مَعْنَاها،كيف؟
لو قال:عَبَثَ الخَرَابُ بِيَانِعَاتِ مَشَاعِرِي،مَثَلاً؟ لَبَيَّنَ لنا صُورةً تَتَّفِقُ مَعَ المَعنى وَلَقُلْنَا أنَّ مَشَاهدُ الخَرابِ عَبَثَتْ (والعَبَثُ هُوَ الإفسَادُ) بمشاعرهِ أو الناضج منها،مَثَلاً؟
ثُمَّ:نَهْرُ العَاشِقِيْنَ حُطَامُ،أيَ صورةٍ في هذا؟لو قالَ بيتْ حصنْ درعْ إلخ، أيَ شيءٍ قابلٍ للتحطيمْ،لَتَوافَقَ المعنى،واتَّزَنَ الكلام،وَصَحَّ الرَّبط،وَلَخَرَجْنَا مِنهُ بِصُورةٍ مقبولةٍ؟أو القلب:فإننا نقولُ مجازاً تَحَطَّمَ القلب،أمَّا النَّهرُ فلم أرَ هذه الصورة في كلام العرب ولا في اللغات التي أعرفها(الإنجليزية،الألمان ة،الهولندية) ،أرى أن يُعِيْدَ الشاعرُ النظرَ في هذا البيت والذي يليهِ بالتصويبِ والترتيبِ.


10غَرَبَتْ بِعَصْرِ الكُرْهِ شَمْسُ بَلاغَتِي ***لا الحُسْن ُ يُرْجِعُهَا وَلا الإلهَامُ


الشمسُ وقتَ العصرِ تكونُ قريبةً من الغُروب،وهذا عكسَ مَقصِدِ الشاعر؟لو قالَ بِصُبْحِ الكُرهِ لَتَمَ لهُ ما أراد،على أنَّ الكُرهَ(لامَحَلَ لها منَ الإعرابِ كما يقولُ أهل الإعراب) وهيَ الكراهية،هذا إِنْ قَرَأنَا العَصْرَ على أَنَّهُ الوقتُ مِنَ اليومِ؟ أما إذا قَرَأنَاهَا على الزَّمان وجمعُهُ عصورٌ فالأولى أن يكونَ الظلمَ أو القهرَ أو غيرها،فليسَ للكُرهِ زمانٌ ،لأنهُ شعورٌ، والناسُ تكرهُ في كلِّ زمانٍ وفي كلِّ مكان؟
أَشُكُّ في نفسي في تأويلِ هذا البيت وَأَحْسَبُهُ يُريدُ(أن شمسُ بلاغتهِ في هذا الزمن الذي كَثُرَتْ فيهِ الكراهيةُ والأحقادُ قد غربت وليسَ بالإمكانِ إرجاعَها) أنا مُتَذَبْذِبْ؟ولاأدري لِمَ أرى هذا البيت ركيكَ المعنى؟


يتبع