بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله والصلاة على رسول الله وآلهِ وصحبه


السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته


الإطناب هنا غايتي ، لكنَّ وقتي لايسمح.

كنتُ قد قلتُ هذه القصيدة في أمسية لنا على البالتوك وقد طلبها مني أخي الحبيب
شلال الشعر محمد إبراهيم الحريري ووعدتهُ ساعتها ولم أُلبِّ،ثم كتبَ لي بالرسائل
الخاصة مُذكَّراً قبلَ يومين،وها هيَ بينَ يديه ويديكم.


بقيَ أن أقول أنني أعُدُّ هذه القصيدة من عيون الشعر .


يحيى السماوي

وَقَفَـتْ و حيّـت بالسـلامِ الأمـثـلِ
وأنـا شريـدٌ فــي دروب تأمـلـي
أعـدو وراء الذكريـات ، يقـودنـي
طيـفٌ لـه أرخيـتُ حبـلَ توسّلـي
قالت : أتسمح لي ؟ فقلـت مُرحِّبـاً :
يا جارتـي عبـر الفضـاء تفضّلـي
جلسـت بجانـب شاعـرٍ متـشـردٍ
هوَ عن مطارحـةِ الحديـثِ بمعـزلِ
جلست و ألف سحابـةٍ مـن حولِهـا
تَنْـدى باشـذاءٍ و عِطـرُ سفـرجـلِ
نفضت عليَّ الطيـبَ حيـن تحدَّثَـت
فأفقـتُ مفتـونـاً بلثـغـةِ بلـبـلِ
قالت : رجاء لـو ربطـت لمقعـدي
هـذا الحـزامَ فإنـهُ لــم يُقـفـلِ
فأجبتهـا :مـا غـيّـرت أقـدارنـا
أقفـالَ أحزمـةٍ ، فــلا تتوجّـلـي
***
من أين أنتَ ؟ أنا ابـن ألـف مدينـةٍ
رضعت بنيها مـن مضـاغ الحنظـلِ
و أنا الغد المجهول ، قافلتـي علـى
نارٍ تسير و ليـس لـي مـن منهـلِ
و أنا مـزاج الأمـس خالـط يومـهُ
فـي كـأس مائـدة الغـد المتـبـدِّلِ
عبثـت بـهِ الأيـامُ فهْـو حثـالـةٌ
فـي قاعهـا ، لكنـه لــم يثـمـلِ
أنا من سكبتُ على الدروبِ طفولتـي
و أتيـتُ أجمعهـا زَمـانَ تكهُّـلـي
مـاذا سأجمـع و البقيـة لـم تعـدْ
تُغري و لا يُغـري المليحـةَ محملـي
أفِلَتْ شموسُ الأربعيـنَ و لـم يـزل
نجـمُ التشـرد ساطعـاً لـم يـأفُـلِ
أمضيتُ نصفَ العمرِ مُغتربَ الخُطـى
فالسُهدُ حقلـي و الصبابـةُ جدولـي
الشـوق أدمانـي ، أذلَّ رجولـتـي
و أنا عـن الوطـنِ الحبيـب كيذبـلِ
لا .. لستُ بالضيفِ الغريبِ ، فأهلُكُـم
أهلـي ، و لكـنَّ المُنـى لـم تَعـدِلِ
قد كان لي فيما مضى وطنٌ ، و لـي
حقلي ، وكنتُ ظننتُ لـي مستقبلـي
و ظننتُ أن غـدي بلـون قصائـدي
و بدفء أحلامـي و حجـم تخيّلـي
***
لا تسألينـي عـن مسـار سفينتـي
فالحزن لي أهلٌ ، و جرحـي منزلـي
فدعي السؤالَ عن الهوى و شجونِـهِ
و عن اغترابي و احتراقـي فاسألـي
و عن القناديل التي فُقِئـت ، و عـن
خبـزٍ يُــداف بـأدمـعٍ و تـذلّـلِ
و عن اغتيال الفجر ، عن سقط الورى
طافـوا علـى أعناقنـا بالفيـصـلِ
و عن البطولات الرخيصـة أنجَبَـتْ
عـاراً و نصـرَ أُرينـبٍ مُستفـحـلِ
***
حصد الزمـان الغـرس قبـل أوانِـهِ
من قـال أن الدهـرَ ليـس كمنجـلِ
ناديـتُ أحبابـي ، فلمّـا لـم يُجِـبْ
غير الصدى ، ناديتُ يا مـوت اقبـلِ
لا بــارك اللهُ الـفـؤاد إذا ســلا
شعباً علـى نـار الفجيعـة يصطلـي
قايضـتُ فقـراً بالنعـيـم ترفُّـعـاً
فالخيش أثوابـي و زنـدي مغزلـي
و سموت في بئري زمـان تساقطـت
زمرُ الضلال على الموائـد مـن عـلِ
***
لا يـا رعـاكِ الله مـا ذبـل الفتـى
لو كان بيـن ضلوعـه قلـبٌ خلـي
قاضيتُ دهـري ، فارتأيـت لحكمـةٍ
شدَّ الرحـالِ ، و أن أفـارق موئلـي
أختـاه مـا يبكيـكِ ، كـان كزهـرةٍ
منديلـكِ الــورديِّ غـيـر مُبـلَّـلِ
زَفَرَتْ .. و أحسبني رحقـتُ زفيرهـا
فتنفسـت روحـي عبيـر قرنـفـلِ
أختاه قد كشف الصبـاحُ ، لتكشفـي
عن صبح وجهـكِ للشريـد المثكـلِ
***
كشفت لترشفَ قهوةً ، فـإذا الدُّجـى
صبحٌ طريُّ الضـوء غـضّ المنهـلِ
وجـهٌ يفيـض عليـه نهـر أنوثـةٍ
و نسيـم غابـاتٍ و شقـرة سنبـلِ
صـافٍ كمـرآة الصبـاحِ نعـومـةً
فيكـاد يجرحـه الوشـاح المخملـي
ضـجّ العبيـر بـه فحطّـم دورقــاً
للطيب من تحـت الحجـاب المسـدلِ
و تراقـص الفنجـان بيـن أصابـعٍ
شمعـيـة الأطــرافِ لا كالأنـمـلِ
باللهِ يـا هـذا المضـيّـف لحـظـةً
زدنـي و لا تبخـلْ علـيَّ ، فأجمـلِ
أنا لن أخضَّ يـدي ، سأشـرب دلّـةً
إن كنت في فنجانهـا ستصـب لـي
***
حسناء يا عرساً تناسـل فـي دمـي
أعوامهـا العشـرون لمّـا تكـمـلِ
لا تُطفئـي قنديـل وجهـكِ ، إننـي
عفُّ الرؤى ، و القلب عـفُّ المقـولِ
كيف اقتحمتِ رُبـايَ و هْـي منيعـةٌ
فدخلـتِ أحداقـي و كهـف تأمّـلـي
بالأمس حصّنتُ الفؤادَ مـن الهـوى
و من الجمال ، فكيـف لـم يتحمّـلِ
ختم الأسى قلبـي و شرفـة مقلتـي
و طويت من دهـري لسـان تغزّلـي
حسناء:أشرعتـي حبيسـة بحـرهـا
فخذي بها نحـو الأمـان و أوصلـي
شدّي حديثـكِ بالحديـث و واصلـي
عـزف اللحـون بلثغـةٍ ، لا تبخلـي
***
هتف المضيِّفُ :حان وقـت هبوطنـا
فكأنـهُ أعـطـى إشــارة مقتـلـي
قالت : أراكَ غفوتَ ؟ قلتُ بحسـرةٍ :
كيف المنام ، و أنت ما أبقيتِ لـي ؟!
أطبقـتُ أجفانـي علـيـكِ لأنـنـي
أخشى وداعـكِ يـا جميلـة فانزلـي
حَزَمَتْ حقائبها ، و لم أحـزم سـوى
أوراق عمـري فـي كتـاب ترحّلـي
مضـتِ الجميلـة تزدهـي بعبيرهـا
و أنا ؟ رجعـتُ إلـى رمـاد تأملـي



الكعبي