بلا رَزان
تمّ الأمرُ بعدَ منتصف الليل ، وأوى الجميعُ إلى بيوتهم ، وأمسك بيد زوجته عائدَيْن إلى منزلهما لم ينبسا ببنتِ شفةٍ طوالَ الطريق ؛ لكن عيونهما الذاهلة المغرورقة بالدمع كانت تشكو بصمت : كيف يُمكن أن نعود بلا وحيدتِنا ؟! كيف ندخل البيت وقد خلا منها ؟! تُرى ، ما طعمُ الأيامِ القادمة بلا " رزان " ؟! ولمّا شدّ على كفّها انطلقت آهتها ودموعهـا معاً !
توجّه مِنْ فَوْره إلى غُرفتها ، لقد اعتاد أن يفعل ذلك منذ عشرين سنة ، وما أنْْ وَلَجَ الغرفة حتى عَبِقَ به رِيحُها من كل جانب ! أسندَ ظهرَهُ إلى الباب وراحَ يُنقّلُ نظره في أشيائها : هذا سريرُها ولِحافُها ومخدّتُها ، هذا شالُها مُعلّقاً على المشجب إلى جانبِ عباءتها .. منشَفتُها .. ثيابُ الصلاة والسجّادة .. وكُتيّب الأذكار ، مرآتُها ومشطُها وكوبُها الأخضرُ ذو العنق المُذهَّب الذي تشرب به الشاي ، معجم " أكسفورد " الحبيب إلى قلبِها فوقََ طاولتها ، مذياعُها الصغير وسمّاعاتُها .. تهاوى على سريرِها بيديْهِ وخدّهِ ، وأجهشَ ثمّ انخرطَ في بُكاءٍ أليم سُمع صوتُه خارجَ الغرفة ! هُرِعَتْ زوجته إليه ؛ لتراه مُمْسِكاً بمخدّةِ " رزان " يضمّها كالطفل إلى صَدْرِه ، ويسقيها من دموع عينيه !
تقدّمتْ منه ببطء ، ثم جلست إلى جانبه وضمّتْ رأسَه إلى صدرها بحنان ، وهمستْ بصوتٍ مُتهدّج خافِتٍ :
- كفى ياحبيبي ، لا تبكِ ... وادْعُ لها بالهَناءِ والسعادة ، في بيتِ زوجها ..
ثم انخرطا معاً في نَوْبةِ بكاءٍ غريب !!