أحدث المشاركات
صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 10 من 15

الموضوع: لطف الله تعالى

  1. #1
    شاعر
    تاريخ التسجيل : Jun 2006
    المشاركات : 2,069
    المواضيع : 373
    الردود : 2069
    المعدل اليومي : 0.32

    افتراضي لطف الله تعالى

    الدكتور : عثمان قدري مكانسي
    أخبرني متعجباً أن ابن خالتها قدم من العراق إلى الشارقة يطلب يدها .
    قلت له : الأمر عادي يا أبا أيمن ، لعل الله تعالى بحكمته سبحانه يريد أن يخلق ولداً – صبياً أو أنثى – ليخدمها ، فلستَ وأمها خالدين . ولو طال عمركما فستكونان – مثلها - بحاجة لمن تستعينان به في بعض أموركما ، هذه سنة الحياة يا أخي أبا أيمن .
    قال : ولكنك تعلم أن نصفها السفلي مشلول تماماً ، ولا تتحرك إلا على الكرسي أو زحفاً ، ولا يتزوج الرجل المرأة إلا لحاجته إليها ، وأنّى لعاجزة تحتاج من يقدم لها حتى الماء لتشربه أو تود من يعينها في قضاء حاجتها أن تقوم بواجب الزوج ؟!
    قلت : لعل الله تعالى آذن بالفرج يا صاحبي ، فأرسل هذا الفتى ليكون سبب وجود الطفل في حياة أمه ، يعيش لها ، ويقوم على خدمتها ، فيملأ حياتها بهجة وسروراً وينسيها بحركاته وضحكاته مرارة الحياة وقسوتها .
    انطلق أبو أيمن مع زوجته وولديه وابنتيه بسيارتهم أوائل عام خمسة وتسعين وتسع مئة وألف للميلاد يريدون أداء العمرة ، وهذه عادتهم كل سنة في مثل هذا الوقت حيث ينتهي الفصل الأول من العام الدراسي . فلما كانوا عائدين إلى الشارقة ، ووصلوا مشارف مدينة الرياض انقلبت بهم السيارة في الوادي – وهذا قضاء الله الذي لا يُرد – فأصيب بعضهم بخدوش خفيفة أو متوسطة إلا " نهلة " – كبرى البنتين ، وكانت في ربيع العمر – فما عادت تستطيع الحركة ، إنه أمر الله الذي كتبه على بعض عباده ليمتحنهم في هذه الدنيا ، فيصبروا ، فتكون الجنة دارهم دون حساب – إن شاء الله تعالى - .. ولم يأل أبو أيمن جهداً في عرضها على كبار الأطباء في الإمارات وألمانيا وغيرهما ، فكان لا بد من الصبر والرضا بما قضى من لا يُرد قضاؤه .
    كانت نهلة وما تزال ريحانة البيت وأنسه ، فابتسامتها لا تفارق وجهها ، وسلامها حار، وحديثها طليٌّ يدل على ذكاء وأريَحية . ولعل الله تعالى يمتحن عباده المؤمنين قبل غيرهم ، فيختبرهم ليكونوا بصبرهم في عداد أحبابه المقرّبين .. هكذا كانت نهلة الصبية زهرة البيت وريحانة والديها .
    قال أبو أيمن : ولكن الفتى لا يحسن عملاً ، وكأنه لم يجد في بغداد ضالته ، فقدم إلينا يعرض زواجه منها ، فيعيش بيننا يبحث عن عمل ، فإذا وجده ترك الفتاة ومضى لشأنه ، وأظن أنه خطط لذلك ، فمن ذا يتزوج من فتاة هذا شأنها ، ويتحمل عبئها ، إلا لغاية مؤقتة في نفسه ؟!
    قلت : وهل نعتقد غير هذا يا صاحبي ؟ لن يصبر إلا بقدر ما يحتاج ، إما أن يجد عملاً أو يعود أدراجه من حيث أتى .
    قال : فماذا تقول ؟.
    قلت : على الرغم أننا نستشف مراده من الزواج منها فلا بأس أن تدخل الفتاة التجربة ، وظني أن أمر الله كائن لا محالة . وربما – وهذا حتمال ضئيل - أن يعيشا منسجمين ، فليس غريباً أن يصبر على حياته معها ، ويرزقهما الله مالاً وأولاداً وسعادة ، والمسلم متفائل ، أليس كذلك يا أخي ؟.
    كان أبو أيمن يطلعني على حياتهما حين ألتقيه متوقعاً ما فكرنا فيه ... ولم تمض فترة قصيرة حتى أخبرني أن الفتى غاب عن البيت دون سابق إنذار ، وأن هناك من رآه في بغداد وتأكد أنه استقر فيها . ولأننا كنا نتوقع ذلك فلم يكن وقع الأمر مؤلماً حتى على الزوجة الطيبة . ثم نما للأخ أبي أيمن أن الفتى مات أو قتل في الهرج الذي حصل حين دخل الأمريكان بعد سنوات إلى العراق ....
    لم يمض شهران حتى جاء أبو أيمن مبتسماً يقول : أتدري يا أبا حسان أن نهلة حامل في شهرها الثالث ؟
    نظرت إلى السماء أحمد الله اللطيف بخلقه ، الحكيم بقدره سبحانه ،، بدأت الفتاة تعيش على أمل يدغدغ قلبها ، ويزرع في نفسها الرغبة في الحياة ، ويغرس في صدرها ابتسامة السعادة ، وفي نفسها التشوّف للوليد الجديد الذي بدأت - منذ الآن - تهبه حياتها ، وتفكر في أن تكون له ، ويكون لها . تعيش لأجله وترى فيه الحياة وجمالها والطمأنينة وظلالها .
    تركْتُ الإمارات وهي في شهرها الخمس على ما أظن ، ونسيت قصتها في زحمة الحياة الجديدة في الأردن . ... وفي يوم ربيعي مشرق رن جرس الهاتف ، إنه صوت الحبيب أبي أيمن يقول : رزقت نهلة بغلام جميل ؛ يا أبا حسان . وكان صوته يتدفق في أذني مخترقاً أعلى الصدر ليستقر في شغاف القلب ، وكنت أرى من بعيد ابتسامته الوضيئة وهو يكلمني ويزف إليّ هذا النبأ السعيد .
    أحمد – الفتى الناشئ ذو عشرة الأعوام – ذكي نشيط يملأ دار جده حركة دؤوباً ، وسعادة غامرة وأملاً طيباً وروحاً وثـّابة ، وهو مسؤول عن جدّيه – وقد شاخا – ويدوربين أيديهم يقدم لهم الماء البارد ، ويحمل إليهم ما يطلبه الكبير من الصغير بنشاط . ويحمل سلة الخضار من البقالة المجاورة بهمة الرجل الصغير ، ويداعبهم بروحه الطفولية البريئة الواعدة ، ويضاحكهم ببسمته الملائكية البراقة ... ثم يكتب واجبه بفهم وذكاء ، ... سيكون – كما أكد مراراً – شاباً باراً بوالدته ، محباً لها ، عطوفاً عليها وعلى جدّه وجدّته .

  2. #2
    الصورة الرمزية د. نجلاء طمان أديبة وناقدة
    تاريخ التسجيل : Mar 2007
    الدولة : في عالمٍ آخر... لا أستطيع التعبير عنه
    المشاركات : 4,224
    المواضيع : 71
    الردود : 4224
    المعدل اليومي : 0.68

    افتراضي

    دائمًا ما تخط الأقدار كلمتها فوق صفحات عمرنا بما يسعدنا ويريحنا, شئنا ذلك أم أبينا , وسعدنا لذلك أو شقينا, في الأخير مهما عاندنا جاهلين, هناك رحمة الله دومًا بيننا تهدينا للطريق الحق. لطف الله تعالى, عنوان لقصة من واقع الحياة, اعتمد على السرد الحكائي المباشر الخالي من الرمزية , وجاءت أركانه الحبكية الأربعة بدءًا من العنوان من ثم الافتتاحية , فالتدرج في الحبك حتى الخاتمة- جاءت مناسبة مع خط الحكاء الهادئ. الافتتاحية طالت قليلًا, والنهاية كانت متوقعة أنبأنا بها المحور السردي. اللغة كانت قوية وكان البناء متماسكًا.

    تقديري
    الناس أمواتٌ نيامٌ.. إذا ماتوا انتبهوا !!!

  3. #3
    الصورة الرمزية سعيدة الهاشمي قلم فعال
    تاريخ التسجيل : Sep 2008
    المشاركات : 1,346
    المواضيع : 10
    الردود : 1346
    المعدل اليومي : 0.24

    افتراضي

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

    لطف الله تعالى، هو كذلك أخي، من العنوان حتى آخر النص مرورا بالعقدة تبين لنا لطفه عز وجل

    ومشيئته ورحمته بعباده، فكم هو لطيف رحيم وقوي شديد العقاب في نفس الوقت.

    كما قالت الفاضلة د. نجلاء القصة كانت بأسلوب مباشر اعتمد السرد، راقتني لنبل قيمتها.

    احترامي وتقديري.

  4. #4
    أديب
    تاريخ التسجيل : Aug 2007
    الدولة : سيرتـا
    العمر : 46
    المشاركات : 3,845
    المواضيع : 82
    الردود : 3845
    المعدل اليومي : 0.63

    افتراضي

    الدكتور القاص / عثمان

    قصتك حملت في رأيي المتواضع هدفين / الأول ظاهري يتجلى في رحمة الله و لطفه بعباده الصابرين / و الثاني باطني نكتشفه من مجريات الأحداث و هو أن لا نحكم على ظاهر الأشياء و تأثيراتها الآنية اللحظية , بل ننظر إلى أبعد من ذلك , فلا يمكن لأحد أن يجزم أين هو الخير و كيف يتجسد بواقع حياتنا .

    قصة جميلة هادفة و قد راقني أسلوبها على رغم أنه لم يعتمد التشويق و الإثارة .

    اكليل من الزهر يغلف قلبك
    هشــام
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  5. #5
    قلم منتسب
    تاريخ التسجيل : Apr 2009
    العمر : 69
    المشاركات : 68
    المواضيع : 7
    الردود : 68
    المعدل اليومي : 0.01

    افتراضي

    ان كانت تلك حقيقة أو ابداع
    فقد رق لها قلبي واهتز لها وجداني
    هكذا يقدر الله وتضحك الأقدار
    أحييك أخي الكريم على أسلوبك الجزل الرقيق
    والحبكة الدرامية المدهشة
    دمت ودام ابداعك
    الرفاعي

  6. #6
    شاعرة
    تاريخ التسجيل : Jan 2010
    الدولة : على أرض العروبة
    المشاركات : 34,923
    المواضيع : 293
    الردود : 34923
    المعدل اليومي : 6.71

    افتراضي

    قصّ إيجابي هادف اعتمد المباشرة أسلوبا وتعددية الرسالة مباشرة وضمنية ليرتقي بفائدته

    دمت بخير أيها الكريم

    تحاياي
    تستطيع أن ترى الصورة بحجمها الطبيعي بعد الضغط عليها

  7. #7
    شاعر
    تاريخ التسجيل : Jun 2006
    المشاركات : 2,069
    المواضيع : 373
    الردود : 2069
    المعدل اليومي : 0.32

    افتراضي

    يسرني أن ألتقي بعض إخوتي واخواني
    وأسأل الله تعالى أن يحفظكم بحفظه وأن يرعاكم برعايته
    وشكري الخاص للأخت ك
    1- الدكتورة نجلاء طمان
    2- وللأخت الأستاذة سعيدة الهاشمي
    3- وللأخت الأديبة البارعة ربيحة الرفاعي
    4- وللأخ الأستاذ الرفاعي حافظ
    5- وللاخ الأستاذ هشام عزاس
    وأعتذر انني لم أدخل الصفحة منذ زمن ولعلي تأخرت في قراكم
    سلمكم الله فقد أثلج دخولكم قلبي وأسعدني

  8. #8
    الصورة الرمزية خلود محمد جمعة أديبة
    تاريخ التسجيل : Sep 2013
    المشاركات : 7,724
    المواضيع : 79
    الردود : 7724
    المعدل اليومي : 1.99

    افتراضي

    على نياتكم ترزقون
    زين الأيمان حروفك والحكمة كلماتك والجمال في السرد سطورك
    اسجل اعجابي
    دمت بخير
    مودتي وتقديري

  9. #9
    شاعر
    تاريخ التسجيل : Jun 2006
    المشاركات : 2,069
    المواضيع : 373
    الردود : 2069
    المعدل اليومي : 0.32

    افتراضي

    حكمة الله تتجلى في كل منحى من مناحي هذه القصة
    فسبحان الله الذي خلق فسوّى وقدّر فهدى
    للأخت الأستاذة خلود تحية طيبة ودعاء من القلب

  10. #10
    الصورة الرمزية سامية الحربي أديبة
    غصن الحربي

    تاريخ التسجيل : Sep 2011
    المشاركات : 1,578
    المواضيع : 60
    الردود : 1578
    المعدل اليومي : 0.34

    افتراضي

    يبدو أن القصة هي صدى واقع فسبحانه من لا ينسَ عباده العاجزين عن فهم لطفه بهم. قص هادف بلغة متينة. تحية وتقدير.

صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة

المواضيع المتشابهه

  1. تعالى أقاسمك الهموم تعالى
    بواسطة هشام النجار في المنتدى النَّقْدُ الأَدَبِي وَالدِّرَاسَاتُ النَّقْدِيَّةُ
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 02-12-2015, 02:03 PM
  2. فضل ذكر الله تعالى متجدد إن شاء الله تعالى ..
    بواسطة حسنية تدركيت في المنتدى الحِوَارُ الإِسْلامِي
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 28-03-2009, 06:11 PM
  3. محبة الله تعالى
    بواسطة يوسف العزعزي في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 10
    آخر مشاركة: 11-05-2004, 07:04 PM