كنت أعد فنجان قهوتي الصباحية عندما سمعت مواءه الخافت الحزين ... التفتُّ لأراه يحدق بي بانكسارمن خلال الباب الزجاجي قابعًا على العتبة في حديقة منزلنا الخلفية الصغيرة، أعاد المواء من جديد بنغمة تحمل استجداء، نظرت في عينيه المنكسرتين، كانتا تحملان ضعفًا لايقاوم فتحت له الباب ، نظر لي بحذر وتردد ... ثم اتجه للداخل وكأنه وافق على الدخول ، تساؤلات شتى كانت تدور في داخلي متعجبة : لماذا تغير هكذا ؟ لقد كان صوت موائه مختلفَا ، عاليًا حين يكون جائعًا فإن لم نسارع ونضع له الطبق وطعامه، كان يصرخ بصوت أعلى محتجًا، بل وقد كان حين يرى أحدنا قادم لنجدته يسارع و يتقدمه بخطوات بكل دلال أن سارعوا لخدمتي فأنا بانتظاركم" .. فتحت الكيس وسكبت له طعامه المعتاد، فنظر لي بشك وخوف، تألمت ونظرت إليه بتعجب " أن لم أيها العزيز ؟" اقتربت أريد أن أمسح رأسه الصغير فما كان منه إلا أن جرى هاربًا تاركًا الوعاء بما فيه، فوجئت بتصرفه جدًا، خرجت لأبحث عنه وأناديه ، فلم أره ، رأيت جارتنا تسقي زهور حديقتها، سلمت عليه ثم تبادلنا بضع كلمات وحكيت لها أمر قطنا الغريب، فقالت : " لابد أنكم أهملتموه لمدة من الزمن، فما عاد يميزكم عن الآخرين، فالقط لايحتاج فقط للطعام والشراب، وإنما يحتاج للرعاية والحب... " ضحكت أعماقي بحزن وهمستُ في سري: "حتى أنت أيها القط ؟؟
تذكرت حينها مرضه الشديد، وكيف أننا تجنبنا هذا الصغير بعد أن تعافى منه خشية العدوى، كان يأتي إلينا فنضع له الطعام فقط ، وإن اقترب منّا يبحث عن الحنان والمداعبة، كنّا نتحاشاه ونبتعد عنه، ولا نربت على رأسه الذي طالما تمطى به ليدعونا لمداعبته وملاعبته، وهاهي الأيام مضت طويلة قاسية عليه... وفقدتْ حاسة الشم لدى قطنا رائحتنا المميزة لديه بأننا أهله، فنسيتنا ذاكرته، وماعاد يعرفنا ... وأصبحنا له محطة للطعام لا أكثر.