إلى أبي مع التحية
جميل أن يكتب الإنسان نصا أدبيا في أي حال من الأحوال . أما أن تكتب لأبيك فالأمر مختلف جدا .فاختيارالكلمات وجلال الموقف يلعبان دورا هاما في إثراء النص .ماإن وضعت قلمي على الورق لأختار عنوانا لعنوان حياتي لذلك الرجل الغريب العجيب . . . كان الصديق والأب والأخ لكل واحد منا وكان يتعامل معنا كل حسب سني عمره , صقلته التجربة وعلمته الأيام أن لايحرمنا مما حرم منه مهما بلغ الثمن وكان يتحاشى ذلك قدر مااستطاع ,لايعرف الكلل ولا الملل .كان همه الوحيد الأولاد وتربية الأولاد ودراسة الأولاد, كنت أظنه يحلم أوشبه ذلك خاصة وأن الحالة المادية لاتسر. . . راتب لايتجاوز الخمسة آلاف ليرة سورية وعائلة عديدها خمسة عشر فردا . . سبعة أولاد وست بنات وهو وأمي وكنت أنظر لخلفية وراثية فقد كان أبي الولد الوحيد لجدي ومع هذا لم ينل تعليمه الثانوي إلا بشق الأنفس . . . وأننا نعيش في بيئة ريفية لم تنل المرأة حظها التعليمي فيها لدرجة مشجعة .ماإن وضعت قلمي على بساط الورق حتى رأيت أمامي جيشا من الكلمات ينتظم في طابور أوله على شفتي وآخره إلى مالا نهاية . . . الكلمات تتزاحم في مخيلتي فما إن أقول أبي حتى تغمرني صيحات تملأ الجو طربا . . . أنا . . أنا . . إنها الكلمات التي تتدفق حبا وحناناووفاء لقداسة ماأريد أن أكتب فألاطفها وأهمس بها بالدور . .بالدور فيزغرد الجميع فرحا .ماذا سأكتب وأمامي ينحني التعبير إجلالاوواجب ينتظرني لم أتعوده من قبل .ماذا سأكتب عن رجل لايعرف الحقد والكراهية وأجمل مافيه أنه ليس له خصم على وجه المعمورة , يتسلح بالصبرلأبعد الحدود تناوبت عليه ظروف تنوء لها الجبال فما سمعته يوما شاكيا من ظرف أوضيق ذات اليد . يحمد الله على كل حال . . له من الأصدقاء الكثير الكثير يحبهم ويخلص لهم وما إن ساءت الأحوال عند أبي حتى رأيتهم عدما .كان يجوع لنشبع ويعطش لنشرب ويسهر لننام . . كان الشمعة التي أنارت لنا الطريق وبرمشة عين وقدرة قادر هاهو يرى نفسه فينا ويكمل دراسته فينا فهو يرى في كل واحد منا نفسه المحرومة .
كان أبي يحب الأدب والأدباء والشعر والشعراء فهاهو يجسد حلمه فينا عبر ثمانية من أبنائه دخلوا سور الجامعة وخمسة لازالوا يتابعون دراستهم دون الثانوية. . . توزعنا بين خمس بنات بين العربية والانكليزية والفرنسية وثلاثة أولاد بين العربية والانكليزية . . . هذا هو أبي كان شاعرا موهوبا ولكنه فقد الكثير من نشاطه وموهبته بسببنا فعزف عن الشعر لأكثر من اثني عشر عاما عاد يتوكأ بعد أن أمن مستقبلنا وقد كتب لنا وصيته عن الشعر بهذه الأبيات التي يحفظها جميع أفراد الأسرة وبعضهم يجيد الشعر:
إني تركت الشعر للشـــــــعراء . . . . . ونهيت عن تقريضـــــه أبنائي
وكتبت حتى للصـــغار وصيتي . . . . . ضمنتها قبل الممـــات رجائي
فوجدت أصغرهم أصيب بعلتي . . . . . ويقول ماقبل الفطـــــام رثائي
هذا هو أبي رأيته يكتب الشعر في واحتكم الوارفة ولأني لاأجيد كتابة الشعرهامت بي الذكرى عبر سني عمري بهذه الحروف العطرة فأقدمت وللمرة الأولى. . أقدم له عربون محبتي وامتناني .
هذا هو أبي . . هل تصدقون ؟
حفظه الله ولمنتداكم الثناء
أمل