صراع من نوع خاص
ما بالكَ تصفعُ حرفي كلما قدِم إليكَ مُعانقا يتودّدُ قربكَ و احتضان وهجك المنير ؟ ما بالها مشيمتكَ تلطم وجه مخيلتي كلّما ألّحت في نسج صورك و إجهاض رؤاكَ التي تطوف بغرفتي كل ليلة حروفا و كلمات ؟ ما بالكَ لا تستسلم لأعايشَ نبضك أيها النص الممتنع عنّي منذ سنين , ما بالها روائعكَ تحوم حولي كل ليلة فتمنع عنّي النوم , و حين أشرعُ في القبضِ عليها تفرُ هاربةً من حروفي و كأنّ لغتي البسيطة لا تملكُ فخاخا دقيقة توقع بكَ في شباكها التي اعتادت أن تمسك منكَ الخواء.
حاولتُ أن أكون أدهى منكَ في مرات عديدة , و لكنكَ دومًا كنت تهزم خططي و تكشف مصائدي , إذ أنّكَ أيّها الممتنع عن التجسيد تستلذُ فشلي و تقفُ في آخر ركن الغرفة مبتسمًا مزدريًا ضعفي و قلّة حيلتي في أن أُريقَ دم طيفك بمحبرتي و أرسمكَ حرفا يزيحُ عني عناء مكوثك عندي و استخفافكَ بقدرتي في أن أنال منك أو أُخضعكَ لإرادتي .
لطالما كنتُ أطالع قبلَ أن أخلُد إلى نومي الغريبَ من الألفاظ و أفتح قواميسَ اللغة و تفاسير القرآن , لعلنّي أحظى ببعض المفردات القويّة فتُزوّدني ببعض المخالب فأنقضّ على ملامحكَ و أمزقها إربا على أوراق دفاتري العذراء , و أنتقمَ لنفسي منك و أرتاح من وخز العجز بداخلي و أستردَ لحروفي كبريائها المسلوب .
و لكنّ غروركَ لم يتواضع لها أبدا و لم يمنحها ميزة التألق التي باتت تنشدها مذ حطّ عصفوركَ الخرافي على شرفتها ذات ليلة شتوية باردة ففضّلتْ الدفء و النوم على أن تُصغي لشدوك و تفتح كراسة الموسيقى لتدوّن نوتات لحنك الجميل .
منذُ ليلتها و رؤاكَ تُعذبني و ضمير الحرف يؤنبني و غصّة امتناعك عني تُرهقني و طيفك الممزوج بالانتقام يؤرقني , و ابتسامتك الملعونة تسخر مني , فكيف أطيق صبرا على لذة مرارتك و قسوة شرارتك ؟ كيف لي أن أتحمّل إحساس فقدكَ و أنت لا تغادر صومعة فكري ؟ ضيّعتكَ يا جميلي لحظة زيارتكَ مخدعي فاستأثرتُ بالراحة عنك, فكان عذابكَ أضعافا مضاعفة و انتقامكَ مني رهيب.
ما زلتُ أصارعُ رؤاك كل ليلة رغم أننّي أدركُ تمامًا ضياعك و أعرفُ مسبقا ألاّ جدوى من ملاحقتك, و لكنه ثمن وجبَ دفعه و حرقة ينبغي أن أكتوي بها , فربما يأتي يوم ما تغفرُ فيه زلّتي و تغادر ركن الغرفة المظلم و تحتضن ندمي أخيرا كما لو أنك زرتني أول مرة , و تمسح من على جبين حرفي عار قطيعتك و تمنحني وصل رؤاك .
وليدة اللحظة
23/05/2009