
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة إسلام شمس الدين
القِطَّة
إسلام شمس الدين
ـــــــــــــ
"القِطَّةُ تبقى قِطَّة"
... قالتها الجَدّة
لكني لم أفهم
أسستُ لها بيتاً
في ركنِ الدارِ المتشحةِ دفءً
وطليتُ حيطانه بالآسِ وبالنعناعِ
وحبّاتِ الصّندل
في الليلِ تسللتُ إلى غرفةِ أمي
أخرجتُ لحافاً مرمياً تحت خزانتها
- كي أصنعَ للقطةِ مهداً-
من غرفة جَدّي سرقتُ عباءته المزوية
- كي أرفعَ للقطةِ سقفاً-
عطّرتُ قميصي بريحانةِ شرفتنا
عَلّقته ستراً بالبابِ ليحجبها
هدهدتُ القطة في حجري، حتى نامت
أرخيتُ السترَ، ونمتُ قبالتها
* * *
الشمسُ تراودُ قوسَ الأفقِ بحُمرتها
توقظني الجَدّة في رفقٍ
ترفع حاجبها الأيسر
تعوج شفتها السفلى
تنظر للقطةِ وتتمتم
"هي قطة...
والقطة تبقى قطة"
لكني لم أفهم
أمي ترمقْني بنظراتِ العتبِ
- هي تعلم ما كان بأمسي-
لا تتكلم
لا أتكلم
تضع اللبنَ أمامي لأشربه
أشربُ نصفه
أسكبُ نصفه في طَبَقٍ
وأدسه للقطةِ، تلعقه بنهمٍ
تضبطني الجَدّة
تمسك بذراعي، وتدفعني نحو الباب:
"جرسُ الحِصَّةِ لن ينتظرك"
أجمعُ أقلامي وألواني
أحملُ كراريسي
وأرسلُ للقطةِ عن بُعدٍ قُبْلة
* * *
معلمة الفصلِ تدقُ التَّخْتةَ بعصاها
تسألنا أن نرسمَ شجرة
أرسمُ قطة
نكتبَ "سَمَكة"
أكتبُ "قطة"
تسأل عن طائرِ حَقْلٍ عذبِ الصوتِ
طويلِ الريشِ
جميلِ المنظر
أتململُ لحظاتٍ وأفكر
أهتفُ في ثقةٍ: "قطة"
* * *
قد ملّ الصَحْبُ أحاديثي الممجوجة
لا أتحدثُ إلا عنها
لا أتغزلُ إلا فيها
أشدو في كل أوانٍ مزهواً:
"هي قطتي
هي قطتي
هي ليست كالقطط الأخرى
هي أجمل من كلِ القططِ"
الصَحْبُ يَوَدُّونَ مُرَافقَتي
قد شُغلوا فُضُولاً بالقطة
أتفلتُ منهم عند رصيفِ المدرسةِ
هم خلفي قد عقدوا العزمَ
أركضُ؛ والشوقُ يسابقني؛ صوبَ البيتِ
عند العَتَبةِ؛ تسبقني اللهفة
انتظرُ القطةَ تقفزُ في حضني
تتعلقُ فرحاً بذراعي
لكن القطة لا تخرج
القطة ليست بالبيت
أصرخُ غضباناً كالمجنونِ:
أين القطة
أين القطة
من خوّفها
من عنّفها
أقلبُ أَرْجاءَ الدارِ، أفتش عنها
أخرج للباحةِ، والصحب ورائي
القطةُ قرب الأرجوحةِ، في غنجٍ تتلوى
ترفعُ رِجْلاً
تثني ذيلاً
القطُ الأسودُ يلعقها
القطُ الأبيضُ يغويها
القطُ الأجربُ يتشمم فَرْوَتها
يسْتروحُ رِيحَة نَشْوتها
تُمعن في الغيّ، فتقبعُ طَيّعةً
تخضعُ قانعةً وتهزُ الذيلَ
سخريةً؛ يتضاحك أصحابي:
"هي قطتك
هي قطتك"
يغمز أشقاهم في مَكْرٍ:
"القطةُ من جنسِ الأسدِ"
تختبئ القطة خلف الشجرة
تهمسُ للقططِ لتتبعها
هرباً مني
بُعداً عني
أبكي
أجري
أدفن رأسي في حضن الجَدّة
أسألها: لماذا؟
قولي يا جَدّة
الجَدّة تمسح دمعاتي، وتزفر:
" هي قطة...
والقطة تبقى قطة
مهما تمنحها...
للشارعِ مرجعُها
الشارعُ مَسْرحُها.
الغدرة من طبعِ القطة
هي قطة...
والقطة تبقى قطة"
لكني لم أفهم!
* * *
القطة تبقى قطة
لكن خيبة الامل لاتطويها الحقيقة ولاتغرب من سماء طفولتنا
الاستاذ المبدع اسلام شمس الدين
عليك ان تكون سعيداً لأنها عادت بمحض ارادتها لتكون على طبيعتها
فأنا اذكر طفلة اعتنت بقطة وأعادتها من فرط حنان جثة
بكل حال دائماً لابد من الدهشة الحلوة والمرة لنشعر بالحياة
أسعدتني عودتك أخي الراقي
فكتاباتك المرهفة عميقة الدلالة تأخذنا لعوالم كثيرة