الْمُشَرَّدُون


نَشُدُّ رِحَالَ الصَّبْرِ نَحْنُ الْمُشَرَّدُونْ
فَتُسْقِطُنَا الْغَيْمَاتُ فِي فَلَكِ الْغُضُونْ
كَمَا يَحْدُثُ الآنَ الْهُوَيْنَى تَنَاثَرَتْ
حَقَائِبُ رُوحٍ كُنْتُ فِيهَا وَلَا أَكُونْ
أُفَتِّشُ عَمَّا قَدْ تَبَقَّى بِقَلْبِهَا
وَبَيْنَ أَصَابِيعِي تُلَاطِمُنِي السُّنُونْ
فَأَجْمَعُ أَشْلَاءً تَعِزُّ عَلَى دَمِي
وَأَتْرُكُ شِرْيَاناً تُعَرْقِلُهُ الظُّنُونْ
عَلَى جَبَلِ الأَشْوَاقِ أَسْقُطُ وَاقِفاً
وَفِي قَبْضَتِي شُدَّتْ حَقَائِبُ لَا تَهُون
أَرَى ذِكْرَيَاتِ الْعُمْرِ تَفْتَحُ أُفْقَهَا
تَهُزُّ نُجُوماً فَوْقَ لَمْلَمَةِ الجُفُونْ
يَمُرُّ بِقُرْبِي نَهْرُ دِجْلَةَ بَاكِياً
فَأُلْقِي مَنَادِيلَ الْحَرِيرِ عَلَى الْهَتُونْ
لَعَلَّ يَدُ التِّحْنَانِ تَمْسَحُ دَمْعَهُ
فَلَا يَخْتَفِي فِيهِ الْفُرَاتُ وَلَا يَدُونْ
تُرَاقِبُنِي النَّخْلَاتُ حَيْرَى ثِمَارُهَا
عَلَى سَعَفَاتِ التِّيهِ تَعْتَصِرُ السُّكُونْ
أَخَالُ بِأَنِّي زُرْتُ أَرْضَ عَرَاقَتِي
وَرَافَقَنِي فِي دَوْحِهَا بُلْبُلُ الْغُصُونْ
فَأَمْشِي بِلَا وَزْنٍ بِثُقْلُ مَوَاجِعِي
وَأَخْطُو بِلَا سَاقٍ أَضَاعَتْهَا المُتُونْ
أُسَافِرُ لِلْأَقْصَى فَأَلْقَى جِدَارَهُ
تَبَاكَى مِنَ الشَّكْوَى وَمَجْزَرَةِ السّجُونْ
لِمَنْ تَرْتَضِي هذِي الدِّيَارُ عَزَاءَهَا
أَلَا تَكْتَفِي يَوْماً فَيَحْتَفِلُ الْبَنُونْ ؟
أَلَنْ نَشْرَبَ النَّعْنَاعَ تَحْتَ ظِلَالِهَا؟
وَنُسْقَى مِنَ الأَحْبَابِ نَكْهَةَ زَيْزَفُونْ؟
فَكْيْفَ تَعِيشُ الأَرْضُ دُونَ أُصُولِهَا
وَكُلٌّ عَلَيْهَا بِالْمَرَاثِي مُقَطَّعُونْ ؟
وَيَهْتَاجُ قَلْبِي حِينَ أَرْنُو شُجَيْرَةً
عَلْيْهَا شِعَارُ الأَرْزِ تَلْحَفُهُ الدُّهُونْ
يُمَزِّقُهُ الأَشْرَارُ حَتَّى كَأَنَّهُ
يَذُوبُ الْهُوَيْنَى كُلَّمَا فَتَكَتْ ذُهونْ
أَمُرُّ (بِحَمَّانَا) فَأَذْكُرُ طِفْلِتِي
وَأَحْدُو (ظُهُورَ شْوِيرِ) تُدْرِكُنِي الشُّجُونْ
أُنَادِي بِجَارَاتٍ سَكَنَّ مَخِيلَتِي
عَلَى قَهْوَةِ الأَصْبَاحِ تَجْمَعُنَا الْفُنُونْ
أَلَا لَيْتَ مَا كُنَّا عَليْهِ يُعِيدُنَا
لِجَنَّاتِهِ الأَخْيَارُ وَالْمُتَنَزِّهُونْ
وَكَمْ أَتَمنَّى أَن أَطُوفَ خَرَائِطاً
وَلَكِنْ وُقُوفِي ظَلَّ يَحْقُنُهُ الْجُنُونْ
فَمَاذَا جَرَى لِلْعُرْبِ أَيْنَ دِيَارُنَا
وَأَيْنَ رُبُوعُ الْخَيْرِ وَالْجَسَدُ الْحَنُونْ ؟!
فَلَسْتُ أَرَى فِي رِحْلَةِ التّيهِ دَرْبَهَا
وَقَدْ ضَاعَتِ الأَحْلَامُ فِي رَمَقِ الْعُيُونْ

غيداء الأيوبي