أُنْشُودَةُ الْأُمِّ



غَنَّيْتُ أُمِّي فَرَفْرَفَ النَّغَمُ
وَفَوْقَ بُسْتَانِهَا ارْتَخَى النَّسَمُ

حَمَّلْتُ شِعْرِي عَلَى جَنَاحِ فَرَا
شَةٍ لِكَيْ يَزْدَهِي بِهِ الْكَلِمُ

قَدْ جِئْتُ أُلْقِي زُهُورَ مِحْبَرَتِي
عَلَى اسْمِ أُمِّي فَرَوْنَقَ الْقَلَمُ

كَأَنَّ فِي كَفِّيَ النَّدَى قُبَلٌ
عَلَى خُدُودِ الأَوْرَاقِ ترْتَسِمُ

لِأَنَّهَا أُمِّي فَالرَّوَى بِفَمِي
كَالطِّفْلِ يَحْبُو بِحِضْنِهِ النَّغَمُ

أَتَيْتُ أُهْدِي النَّشِيدَ رَقْرَقةً
عَلَى وِشَاحٍ تَزُفُّهُ السُّدُمُ

أَكَادُ مِنْ لَهْفَةِ الْقَصِيدِ لَهَا
أَذُوبُ فِي ذِكْرَاهَا وَأَلْتَئِمُ

لَعَلَّنِي وَرْدَ الأُمِّ أَقْطِفُهُ
مِنْ جَنَّةٍ فَوْقَهَا اعْتَلَى القَدَمُ

يَا لَيْتَ أُمِّي هُنَا لِأَحْضُنَهَا
فَيَرْتَخِي فِي حَنَانِهَا الْأَلَمُ

يَا لَيْتَ أُمِّي هُنَا لِتَسْمَعَهَا
أُنْشُودَةً يَشْدُو فَقْدَهَا النَّدَمُ

فَلَيْسَ لِي فِي الأَشْوَاقِ غَيْرُ فَمٍ
يُدَاعِبُ اللَّحْنَ حِينَ يَبْتَسِمُ

وَلَيْسَ لِي فِي الْحِرْمَانِ غَيْرُ يَدٍ
تُهَدْهِدُ الْحَرْفَ حِينَ يَلْتَحِمُ

الْأُمُّ رَوْضٌ وَالْفُلُّ قُبْلَتُهَا
وَكَفُّهَا فِي الْغِرَاسِ مُتَّسِمُ

مَا أَطْيَبَ الرَّيْحَانَ الَّذِي زَرَعَتْ
كَأَنَّ مِنْ حَقْلِهَا ارْتَوَتْ أُمَمُ

فَكَمْ تَنَدَّتْ ثِمَارُ جَنَّتِهَا
وَكَمْ تَشَافَى بِشَهْدِهَا السَّقَمُ

الْحُبُّ كَالنَّهْرِ فِي رَقَائِقِهَا
جَارٍ وَلَا سَدٌّ فِيهِ يَرْتَطِمُ

مَا أَجْمَلَ الْحِنَّاءَ الَّتِي نُقِشَتْ
فِي رَاحَةٍ زَادَ حُسْنَهَا الْكَرَمُ

إِنْ أَغْدَقَتْ بِالدُّعَاءِ مُهْجَتُهَا
تَسَلْسَلَتْ فِي رَحِيقِهَا الشِّيَمُ

كَأَنَّ سِجَّادَةَ الصَّلَاةِ لَهَا
مُدَّتْ عَلَى أَرْضٍ صَانَهَا الْحَكَمُ

وَكُلَّمَا غَابَ ابْنٌ لَهَا حَزَنَتْ
وَلَأْلَأَ الدَّمْعُ وانْتَدَى الْحُلُمُ

كَأَنَّ فِي وَجْهِهَا إِذَا اتَّشَحَتْ
لَآلِئاً خَلْفَ الطُّهْرِ تَحْتَشِمُ

يَا رُبَّ قَلْبٍ مِنْ فَرْطِ رَحْمَتِه
تَسِيحُ فِي سَلْسَبِيلِهِ الدِّيَمُ

تَهُلُّ بِالْبُشْرَى حِينَ تَسْمَعُهَا
فَتَرْقُصُ الدُّنْيَا حَوْلَهَا النِّعَمُ

إِنْ حَاوَرَتْ بِالنَّصَائِحِ ارْتَكَزَتْ
كَأَنَ مِيزَانَهَا بِهِ الْحِكَمُ

كَمْ وَلَدٍ مِنْ أَخْلَاقِهَا نَضَجَتْ
فِيهِ الْمَفَاهِيمُ مِثْلهَا الْقِيَمُ

أُسْتَاذَةُ الدُّنْيَا عِلْمُهَا سَنَدٌ
إِمَّا اسْتَفَادَ الصَّغِيرُ وَالْهَرِمُ

يَا قَلْبُ إِنِّي بِدُونِهَا بَشَرٌ
أَحْتَاجُ لِلْأُمِّ حِيِنَ أحْتَدِمُ

وَرَغْمَ شَيْبي لَازِلْتُ أَرْقَبُهَا
مُذْ كَانَ طِفْلِي يَضُمُّهُ الرَّحِمُ

هَذَا دُعَائِي لَهَا بِجَنَّتِهَا
يَلُمُّ أُنْشُودَتِي فَيَنْسَجِمُ

وَإِنَّنِي إِذْ خَطَفْتُ مِنْ شَغَفِي
غُصْناً فَبِالْيَاسَمِينِ أخْتَتِمُ



غيداء الأيوبي