بقـراءة واقعية هادئة - للمغالطات الفكرية التي أدت إلى التفكير ومن ثمّ إلى تنفيذ أحداث 11 \ سبتمبر 2001 ، تلك المغالطات التي مفادها أن القائمين على ما بات يُعرف بتنظيم القاعدة - قد توهّموا أن حُسْنَ تدبيرهم وصواب أفكارهم ، وكراماتهم وبطولاتهم - في أفغانستان هي التي أدت إلى سقوط الاتحاد السوفيتي ، وستؤدي إلى استقلال الشيشان .!

فتوهّموا أن سقوط أميركا سيكون كذلك على أيديهم ، وسيكون بجهد أقل وفي زمن أقل من سابقه – نظراً لخبرتهم في إسقاط القوى العظمى .!

وبفحـصٍ دقيق للمضاعفات الثقافية التي ترتبت على تلك المغالطات والأوهام- والتي كانت متشعبة وغامضة ومؤسفة أشد الأسف- في جُـلِّ محطاتها ؛ حيث أن التاريخ قد سَجَّـلَهَا تدنيّاً معيباً في تحضـّرِ الضمير الإنساني ، وفتح بها نافذةً مُخيفةً- طلت من خلالها بعضُ صورٍ من عصور انحطاط الفكر البشري- الغابرة .

وبالنظر إلى النتائج العملية- المادية والمعنوية- لتلك الأحداث ، والتي تبلورت في صورٍ مأساوية أربكت علاقات الأمم ، وقتلت الأمن والأمان في حياة المجتمعات والأفراد ، والتي ما تزال تنمو وتتفاعل وتـُستغل وتُستثمر في جلب الخراب إلى ديار المسلمين ، والتنفير من الإسلام ؛ وهي لا تعدو أن تكون فتنة عظيمة (أشد من القتل) يرسمها المنحرفون ، ويُغذيها السُذّجُ الغافلون ، ويدفع ثمنها الفقراء والمستضعفون . ( ولا سقطت أمريكا وهم يحزنون .! ) ..

أقول بقراءة واقعية هادئة لكل ذلك ، نستطيع أن نـُدرك حجم الانحراف الثقافي والتبلّد الفكري - اللذين يؤثران بقوة في مسيرة الأمة العربية الإسلامية ، ويرسمان لها الطريق .!

لا شك أننا جميعاً نسمع ونشاهد كل يومٍ- تطورات الوضع الأمني المؤلم في العراق المحتل ، ومعاناة المواطن البسيط ، وانتشار ما يُعرف بالشركات الأمنية الخاصة ، تلك الشركات التي ابتكرها الفكر الغربي حماية لأفراده ومؤسساته ، والتي وجدت فيها الحكومات والاستخبارات الغربية - المُنقذ والمَنفذ الذي تتملّص بواسطته من الإدانات الدولية ، ومن استحقاقات الاتفاقيات بشأن الحروب وأخلاقياتها وحقوق الإنسان في حدها الأدنى ، وتفادياً لتبعات جرائم الحرب ، ومحاسبة شعوبها لها – باعتبار أن شعوب الغرب قادرة على محاسبة حكوماتها وإسقاطها .!فهل تساءَلَ أو تَفَاعَلَ صُنّاع الفكر العربي الإسلامي - بشكل منطقي مع هذا التطور الميداني الذي أنتجه الفكر الغربي رداً على الفكر الإسلامي ، بعد أن شـرّع هذا الأخير لأتباعه ثقافة العداء وفكر الحرب ، وأباح لهم استهداف منشآت وإنسان العدو بغض النظر عن طبيعة الهدف- عسكرياً أو مدنياً .!

ولعلنا سمعنا مؤخراً أن الحكومة الإسرائيلية قد باشرت في تنفيذ السياسة ذاتها ، فقامت بتكليف شركات أمنية خاصة لحراسة المعابر التي يسلكها العمال الفلسطينيون .ورأينا على شاشات التلفاز كيف أن الفلسطينيين الأبرياء قد أصبحوا يُعانون أضعاف معاناتهم السابقة- جهاراً نهاراً- ودون أدنى أملٍ في حق قانوني أو أخلاقي لهم أو تعاطف دولي معهم .

ورأينا كيف أنهم باتوا يمتدحون معاملة الجنود الإسرائيليين مقارنة بأفراد أو جنود الشركات الأمنية الخاصة - حيث أنهم أحسّوا بالغياب الكامل المُتعمد والمُعلن - للجانب الإنساني والأخلاقي أثناء تفتيشهم .

تكمن المشكلة لدينا في جنوح الثقافة باتجاه التعصّب ، وتصلّب الفكر عند مفاهيم ثابتة ، وسيطرة ذلك على العقل العربي المسلم ، مما جعل العقل عاجزاً عن فهم آلية إدارة الصراع ، ورافضاً لمبدأ التعايش مع الواقع متى كان في صالح الآخرين .. ،
.. وكأن الأيام ليست بيد الله يُداولها بين الناس وفق مشيئته ( كما جاء في القرآن الكريم ) .