لعله يكون اختياراً موفقاً وكيف لا يكون وهو في سيد الخلق صلوات ربي وسلامه عليه ...
وكيف تناسى المسلمون أو أوشكوا على ذلك قوله تعالى " ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله "

تم تصدير هذا الكتاب آليا بواسطة المكتبة الشاملة
الكتاب : نونية الصرصري
معارج الأنوار في سيرة النبي المختار
للشَّيخ أبي زكريا يحي بن يوسف الصَّرصري (ت 656هـ)

1
سُبحانَ ذي الجَبروتِ وَالبُرهانِ
وَالعِزِّ وَالمَلكوتِ وَالسُلطانِ
2
وَالحَمدُ لِلَّهِ الكَريمِ الرازِقِ الـ
ـخَلاَّقِ مُتْقِنِ صَنعَةِ الإِنسانِ
3
وَاللَهُ أَكبَرُ لا إِلَهَ سِواهُ لي
سُبحانَهُ هُوَ لِلصَّوابِ هَدانِي
4
أَصبَحتُ أَنظمُ مَدحَ أَكرَمِ مُرسَلٍ
لَهَجاً بِهِ في رائِقِ الأَوزانِ
5
وَتَخِذتُهُ لي جُنَّةً وَمَعونَةً
فيما أَرومُ فَصانَني وَكَفانِي
6
حَبَّرت فيهِ قَصيدَةً أَودَعتُها
مِن مُسنَدِ الأَخبارِ حُسْنَ مَعَانِي
7
في وَصفِهِ مِن بَدءِ تَشريفاتِهِ
حَتّى الخِتامِ بِحُسنِ نَظمِ مَعَانِي
8
وَلَمَدحُهُ أَولى وَأَجدَرُ أَن يُرى
فيهِ الهُدى وَيعانُ فيه مُعَانِي
9
لَمّا بَنى اللَهُ السَماواتِ العُلى
سَبعاً تَعالى اللهُ أَكرَمُ بانِي
10
فَسَمَت وَزانَتها بِحِكمَةِ صُنعِهِ
زهرُ النُّجومِ وَزانَها القَمَرانِ
11
وَالأَرضُ سَبعاً مَدَّها فَتَذَلَّلَت
وَتَزَيَّنَت بِبَدائِعِ الأَلوانِ
12
وَرَسَت عَلَيها الشامِخات بِإِذنِهِ
فَحَمَت جَوانِبَها مِنَ المَيَدانِ
13
وَأَتَمَّ خَلقَ العَرشِ خَلقاً باهِراً
فَغَدا مِنَ الإِجلالِ ذا رَجفانِ
14
كَتَبَ الإِلَهُ اسمَ النَبِيِّ مُحَمَّدٍ
فَوقَ القَوائِمِ مِنهُ وَالأَركانِ
15
فَسَرى السُّكونُ بِهِ وَقَد كَتَبَ اسْمَهُ
في جَنَّةِ المَأوى عَلى الأَغصانِ
16
وَخِيامُها وَقِبابُها وَعَلى مَصا
ريعِ القُصورِ تَفَضُّل المنّانِ
17
فَلِذاكَ آدَم حينَ تابَ دَعا بِهِ
مُتَوَسِّلاً فَأُجيبَ بِالغُفرانِ
18
لَولاهُ لَم يُخلَق أَبونا آدَم
وَجَحيمُ نارٍ أَو نَعيمُ جِنانِ
19
قَد كانَ آدَمُ طينَةً وَمُحَمَّدٌ
يُدعى نَبِيّاً عِندَ ذي الإِحسانِ
20
مِن فِضَّةٍ بَيضاءَ طينَةُ أَحمَدٍ
مِن تُربَةٍ أَضحَت أَعَزَّ مَكانِ
21
عُجِنَت مِنَ التَّسنيمِ بِالماءِ الَّذي
زادَت بِهِ شَرَفاً عَلى الأَبدانِ
22
غُمِسَت بِأَنهارِ النَّعيمِ فَطُهِّرَت
وَتَعَطَّرَت وَسَمَت عَلى الأَكوانِ
23
وَغَدَت يُطافُ بِها السَّمَواتُ العُلى
وَالأَرضُ تَشريفاً عَلى الأَكوانِ
24
أَنوارُهُ كانَت بِجَبهَةِ آدم
لا تَختَفي عَمَّن لهُ عَينانِ
25
وَبِجَبهَةِ الزَهراءِ حَوّا أَشرَقَت
لِلحَملِ بِالمَبعوثِ بِالفُرقانِ
26
وَمِنَ الكَرامَةِ لِلمُشَفَّعِ أَنَّها
في كُلِّ بَطنٍ جاءَها وَلدانِ
27
وَأَتَت بِشيثٍ وَحدَهُ مُتَفَرِّداً
لِيبينَ فَضلُ الواضِحِ البُرهانِ
28
وَبِصُلبِ آدَمَ كانَ وَقت هُبوطِهِ
وَبِصُلبِ نوحٍ وَهوَ في الطوفانِ
29
وَبِصُلبِ إِبراهيمَ حينَ رَمى بِهِ
في نارِهِ أَشقى بَني كَنعانِ
30
وَعَلى سِفاحٍ ما التَقى يَوماً مِنَ الـ
أَيّامِ مِن آبائِهِ أَبَوانِ
31
مِن كُلِّ صُلبٍ طاهِرٍ أَفضى إِلى
أَحشاءِ طاهِرَة الإِزارِ حصانِ
32
أُخِذت مِنَ الرُّسلِ الكِرامِ لِنَصرِهِ
إِن أَدرَكوهُ مَواثِقُ الإِيمانِ
33
وَكَذاكَ في الكُتبِ القَديمَةِ وَصفُهُ
يُتلى عَلى الأَحبارِ وَالرُهبانِ
34
عَيناهُ فيها حُمرَةٌ مُتَقَلِّدٌ
بِالسَيفِ لا يَرتاعُ لِلأَقرانِ
35
يَعفو وَيَصفَحُ لا يُجازي مَن أَتى
بِإِساءَة ناءٍ مِنَ العُدوانِ
36
لا بِالغَليظِ الفَظِّ وَالسَخَّابِ في الـ
أَسواقِ إِذ يَتَشاجَرُ الخَصمانِ
37
حرزٌ لأُميّينَ مِن مَسخٍ وَمِن
خَسفٍ وَمِن حَصَبٍ وَمِن طوفانِ
38
لا يَنتَهي حَتّى يُقيمَ المِلَّةَ الـ
ـعَوْجاءَ بِالتَّوْحِيدِ وَالتِّبْيَانِ
39
يَشفي القُلوبَ الغُلْفَ وَالآذانَ مِن
صَمَمٍ وَيَفتَحُ أَعيُنَ العُمْيانِ
40
في مَجمَعِ الكَتفَينِ مِنهُ شامَةٌ
هِيَ لِلنُّبُوَّةِ فيهِ كَالعُنوانِ
41
وَبِمَكَّةَ الفَيحاء مَولِدُهُ فَقَد
فاقَت لِذَلِكَ سائِر البُلدانِ
42
مِنها مَهاجِرهُ إِلى أَرضٍ بِها
نَخلٌ كَثيرٌ زينَ بِالقنوانِ
43
هِيَ يَثرِبٌ هِيَ طيبَةٌ هِيَ دارُهُ
حُظِيَت بِمَجدٍ شامِخِ البُنيانِ
44
وَعَلى بِلادِ الشامِ يَظهَرُ مُلكُهُ
فَيُذِلُّ قَهراً عُصبَةَ الصُلبانِ
45
وَاسْتعلنَ الحَقّ المُبين بِنورِهِ
بَينَ الجِبالِ الشُّمِّ مِن فارانِ
46
ما مِن نَبِيٍّ مُجتَبى إِلاّ لَهُ
يَومَ المَعادِ إِذا أَتى نورانِ
47
وَيَجيءُ تابِعُهُ بِنورٍ واحِدٍ
وَلأَحمَد الداعي إِلى الإيمانِ
48
في كُلِّ جُزءٍ مِنهُ نورٌ وَالَّذي
يَتلوهُ ذو نورَينِ يَبتَدِرانِ
49
وَلنَعت شَعيا لِلنَبِيِّ مُحَمَّدٍ
وَلِنَعتِ حِزقيلٍ كَذاكَ أَتاني
50
وَصِفاتُ أُمَّتِهِ كَذَلِكَ بُيِّنَت
فيها لِقَلبِ العالمِ الروحاني
51
غرّ لآثارِ الوضوءِ عَلَيهِم
نورٌ مُضيءٌ ساطِعُ اللَمَعانِ
52
وَالحَمدُ لِلَّهِ العَظيمِ شِعارُهُم
في البُؤسِ وَالأَفراحِ وَالأَحزانِ
53
وَإِذا عَلَوا شَرَفاً كَبيراً كَبَّروا
أَصواتهُم كَالنَحلِ بِالقُرآنِ
54
فيهِم صَلاةٌ مرَّة لَو أَنَّها
كانَت لِعادٍ لَم تُصَب بِهَوانِ
55
وَهُم رُعاةُ الشَّمسِ وَالقَمَرِ الَّذي
تُطوى مَنازِلُهُ عَلى حُسبانِ
56
وَهُم الَّذينَ يُقاتِلونَ عِصابَةَ الـ
ـدَجّالِ ذي التَضليلِ وَالبُهتانِ
57
لَمّا رَأى موسى الكَليمُ صِفاتَهُم
وَعَطاءَهُم مِن عِزَّةٍ وَصيانِ
58
سَأَلَ اللّحوقَ بِهِم وَتِلكَ فَضيلَةٌ
خَلُصَت لأَمَّتِهِ بِكُلِّ أَوانِ
59
كانَت يَهود بِهِ عَلى أَعدائِها
يَستَفتِحونَ بِسالِفِ الأَزمانِ
60
وَبِوَصفِهِم أَضحى المُتوّجُ تُبَّع
بِالمُصطَفى العَرَبِيِّ ذا إيمانِ
61
لَكِنَّهُم حَسَدوهُ بَغياً وَاِعتَدوا
كَعُدُوِّهم في السَّبتِ بِالحيتانِ
62
هُوَ أَحمَدُ الهادي البَشيرُ مُحَمَّد
قَتّالُ أَهلِ الشِّركِ وَالطُّغيانِ
63
هُوَ شاهِدٌ مُتَوَكِّلٌ هُوَ مُنذِرٌ
وَمُبَشِّرُ الأَبرارِ بِالرّضوانِ
64
هُوَ فاتِحٌ هُوَ خاتَمٌ هُوَ حاشِر
هُوَ عاقِبٌ هُوَ شافِعٌ لِلجاني
65
قُثمٌ ضَحوكٌ سَيِّدٌ ماحٍ مَحَا
بِالنورِ ظُلمَةَ عابِدي الأَوثانِ
66
وَهوَ المُقَفّى وَالأَمينُ المُصطَفى الـ
أُمِّيُّ أَكرَمُ مُرسَلٍ بِبَيانِ
67
وَهوَ الَّذي يُدعى نَبِيّ مَلاحِمٍ
وَمَراحِمٍ وَمَثاب ذي عِصيانِ
68
وَهوَ ابنُ عَبدِ اللَهِ صَفوَة شَيبَة الـ
ـحَمدِ بن هاشِم الذَبيح الثاني
69
أَصلُ الدِياتِ فِداؤُهُ مِن ذَبحِهِ الـ
مَنذورِ إِذْ هُوَ عاشِرُ الإخْوانِ
70
وَالأَبيَضُ البَضُّ المُعَظَّمُ جَدُّهُ
شَيخُ الأَباطِحِ سَيِّدُ الحمسانِ
71
لَمّا اصطَفى اللَّهُ الخَليلَ وَزادَهُ
شَرَفاً وَنَجّاهُ مِنَ النّيرانِ
72
اِختارَ إِسماعيلَ مِن أَولادَهِ
وَبَني كنانَةَ مِن بَني عَدنانِ
73
ثُمَّ اصطَفى مِنهُم قُرَيشاً وَاِصطَفى
أَبناءَ هاشِم الفَتى المِطعانِ
74
ثُمَّ اصطَفى خَيرَ الأَنامِ مُحَمَّداً
مِن هاشِم فَسَمَت عَلى قَحطانِ
75
وَأَبانَ كَعب جَدّهُ في خُطبَةٍ
بِعُروبَةٍ في سائِرِ الإخوانِ
76
فَضل النَبِيِّ وَودّ أَن يَبقى إِلى
أَيّامِهِ لِقِتالِ ذي شَنَآنِ
77
وَلَقَد بَدَت أَنوارُهُ بِجَبينِ عَبـ
ـدِ اللَهِ ظاهِرَةً لِذي عِرفانِ
78
وَبَدَت لآمِنَةَ الحِصان لِحَملِها
بِأَخَفّ حملٍ راجِحِ الميزانِ
79
حَتّى بَدَت أَنوارُهُ في وَضعِها
فَرَأَت قُصورَ الشامِ رُؤيَةَ داني
80
وَلَدَتهُ عامَ الفيلِ يَومَ اِثنَينِ فَاحْـ
ـتازَ الفَخارَ بَفَضلِهِ الاثنانِ
81
بِرَبيع الأَدنى بِثاني عَشرَة
وَيُوافِقُ العِشرينَ مِن نيسانِ
82
وَتَحَدَّثت بِوِلادِهِ الأَحبارُ وَال
رُهبانُ وَالواعي مِن الكُهّانِ
83
خَمَدَت لَهُ نارُ المَجوسِ وَزلزلَت
مَعَ الاِنشِقاقِ جَوانِبُ الإيوانِ
84
وَرَأى أَنوشَروان رُؤيا رَوَّعَت
مِنهُ الفُؤادَ فَظَلَّ ذا رَجَفانِ
85
فَمَضى الرَّسولُ إِلى سَطيح سائِلاً
فَأَتى الجَوابُ إِلى أَنوشروانِ
86
أَن سَوفَ يَظهَرُ أَمرُ دينِ مُحَمَّدٍ
حَتّى يُزيلَ الملكَ مِن ساسانِ
87
سَعدَت حَليمَةُ ظِئرهُ بِرضاعِهِ
وَحَوى الفَخارَ رَضيعهُ بِلَبانِ
88
وَرَأَت بِهِ البَرَكات مِنذُ غَدَت بِهِ
وَأَتانُها في الرَّكبِ خَيرُ أَتانِ
89
وَغَدَت تدرُّ لَها الشِّياهُ العجفُ في الـ
ـزَمَنِ المَحيلِ وَأَقبَلَ الثَديانِ
90
فَأَتَت إِلَيهِ وَأَسْلَمَت وَحَليلُهَا
فَتَبَوَّآ لِلرُّشدِ دارَ أَمانِ
91
وَلأَربَع مِن عُمرِهِ لَمّا غَدا
مَع صِبيَة أَترابهُ الرِّعيانِ
92
شَرَحَ المَلائِكُ صَدرَهُ وَاِستَخرَجوا
مِنهُ نَصيبَ الدَّاحضِ الشَيطانِ
93
وَلَقَد تَطَهَّرَ بَعدَ عَشرٍ صَدرهُ
مِن كُلِّ ما غِلّ بِشَرحٍ ثانِ
94
مَلأوهُ إيماناً وَحلماً وافِراً
وَسَكينَةً مَعَ رَأفةٍ وَحَنانِ
95
وَوَقَتهُ مِن لَفحِ الهَجيرِ غَمامَة
وَهْوَ ابنُ عَشرٍ أَجمَل الغِلمانِ
96
يَغدو كَحيلاً داهِناً وَقَرينُهُ
شعثُ الغَدائِرِ رُمَّصُ الأَجفانِ
97
وَمَضَت لِسِتٍّ أَمُّهُ وَتَكَفَّلَ الـ
ـجَدُّ الشَفيقُ لَهُ بِحُسنِ حضانِ
98
وَأَتى بِهِ وَهوَ اِبنُ سَبعٍ عَمُّهُ
وَقَدِ اِشتَكى رَمَداً إِلى دَيراني
99
فَأَبى النُزولَ فَزلزلَت جُدرانُهُ
فَاِرتاعَ عِندَ تَزَلزُلِ الجُدرانِ
100
فَانحَطَّ حينَئِذٍ وَأَخبرَ جَدَّهُ
بِنُبُوَّةِ الوَلَدِ العَظيمِ الشّانِ


يتبع ...