الثَورةُ الكُبرى


ساهِماً يَحفرُ بِعَينيهِ مِنضَدتهُ الخاويةَ مِنْ أيّ شيءٍ إلا قَلقهُ . " لا شيء ! " خَرَجتْ مُتَدحرِجَةً مِنْ قاَعِ حاجِبهِ الحاجِزِ لِتَستَقرَ على شَفَتيهِ المُرتَبكتين . ذلك الموظَفُ في مَكتبِ بَراءةِ الإختراعِ السويسري بالكادِ يَسدُ رَمقَ طِفليهِ ويُسكتُ زَمجرةَ ( ميلفا ) زَوجتهِ , لقد صَدَّقت وعودَهُ المُتواترة بعدَ هزائمهِ الوظيفيةِ بأنّ الحالَ سَيتغيرُ وَبأنَّهُ سَينَتصرُ على أولئكَ الأغبياءِ إذْ أنَّ العالمَ سَيَفي لهُ بِدَينهِ أضعافاً مُضاعَفةً . حَدَّثَ نَفسهُ بِغُصةٍ شَنَقت حِبالهُ الصَوتية وهوَ يَنظرُ إلى سَاعةِ الحائطِ المَصلوبةِ أمامهُ : أيعقلُ هذا ! أبَعدَ أنَ حَرَّرتُ العقلَ البَشريَ مِنْ عُبوديةِ التَبعيةِ العِلميةِ العَمياءِ أَصبرُ ما عَددهُ في حِسابِ الوَقتِ أربع سَنواتٍ عِجافٍ ، أهيَ مَحاكِمُ التفتيشِ الزَمنيةِ بَعدَ جُحودي لِمُطلَقها وأنَّها تَتَداخلُ والمكانُ بِشكلٍ ينَقُضُ الهَرطقاتِ النيوتنيةِ السابقة أمْ أنّ عقاربها أزمَعَت أنَ تَغرِزَ إبرَها بِقلبي لِتُسمِم َعَقلي بِسمِّ الإنتظارِ القاتلِ أم كانَ التباطؤ الزَمني والذي بَعثتُ فكرَتَهُ يَسحَقُني بعِجلاتِهِ المُدببةِ بالساعاتِ والدقائقِ ، ثُمَّ أردَفَ قائلاً : لا .. بَل أنَتِ أيتها السَاعةُ الحَبيبةُ بِرَغمِ قَسوتكِ على حَبيبكِ مَنْ انتشلَ بَقايا عَقلي وَمِزَقَ أُحجيتي لِتَصنعي عُنفوانُ مَجدي الخالدِ.
.
إلتَفتَ نَحو الجَهِةِ المُقابِلةِ وَقدَ حَشَرَت النافذةُ إِطارَها في كُوَّةٍ بِالجِدارِ ليَرى اقتحامَ الضَوء أرجاءَ مَكتبهِ غَيرَ عابءٍ بِسماكةِ الزُّجاجِ كَهالةٍ قُدسيةِ نَشرت البَهجة َعلى هذا الحَيّزِ مِن الآلاتِ المُكتضةِ أسفلهَ ثُم تَنهدَ قائلاً : أنتَ أيُّها الثابتُ مَتى أنالُ ما أثبتهُ بِكَ ؟ فلقد بَذلتُ نِصفَ عُمري في فَهمِكَ وأَضعتُ نِصفه ُالآخرُ بالإستِحمام ِ تَحت َأمواجك الكهرومغناطيسية ، لقد صادقتُ لأجلكَ ماكسويل و جَهدتُ بِسبب غُموضكَ في إنعاشِ مَا أقلقَ بِهِ العَجوزُ غاليليو مَنْ جاءَ بَعدهُ ، أفلا أنرتَ لي دَربَ القِمّةِ وَبددتَ عَتمةَ الجهلي مِنْ حولي ، أهيَ لَعنةُ مُريدي نُيوتن وأنا مِن مُريديهِ حينما نَفضتُ الغُبارَ عَن ثَغرَتهِ وأَعدتُ تَشكيلَ حَقيقتهِ !


قَلّبَ أحد أوراق مُخترِعٍ بائسٍ ظَنّ أنَّ خُردتهُ سَتقلِبُ الكونَ على عَقبيهِ وَفجأةً جَاءَهُ صَوتً مُباغِتٌ لِيهتِكَ أستارَ صَمتهِ : هناكَ شخصٌ يُريدُ أنْ يُقابلك .
قالها غَيرَ مُكترِثٍ بِنبرتِهِ المَعجونَةِ بإحباطِهِ : سَأذهبُ إليهِ حالاً .
قالَ الرجلُ لهُ : أأنتَ ألبرت يا سيدي الفاضل.
قالَ ألبرت : نَعم .
نَطقَ الرَجلُ مُسابقاً كَلَماتِهِ بِنظرَته ِ المسرورةِ بهِ : إنَّ " ماكس بلانك " يَودُ أن يُقابلكَ بَعدَ أنْ قَرأ لكَ ما نَشرتَهُ فهل سَتأتي مَعيَ الآن.
ألبرت غَيرَ مُصدِّقٍ وهوَ مَشدوهٌ بِما سَمِعَهُ للتو : ماكس بلانك بنِفسِهِ ،، نَعم ،، فَلنذهب الآن .
ذَهبَ ليأخذَ مِعطَفهُ وَقبعتهُ ثمَّ نَظرَ إلى الساعَةِ مُمتناً وقد اعتَلتْ ابتسامةُ المُنتَصرِ أَساريرَ وَجه ِ وقالَ لها بِصوتٍ يَسمعُهُ مَن كانَ حَاضراً : لقد دَقّت ساعَتيَ الآن فَشُكراً لكِ .



معين الكلدي
21 \ 3 \ 2015