جميلة..هل نقول غزلية أم سياسية؟!
أما التصوير فأعجبني خاصة بيت قنديل ...
وهو مليح عميق

وفي العيون اصفرارٌ مدّهُ قبسٌ
من الضياء كماءٍ حول قنديلِ

هذا التصوير الجميل الذي أعجبني كثيرا وصور اصفرار العين بالنور الذي يخالط الماء من نور القنديل وهنا تظهر جمالية التصوير التمثيلي وانتزاع الشاعر من متعدد ....فخيوط الصورة واضحة تأخذ اكثر من زاوية....


والبيت الأخير لخص وخلص ...وأعجبني فيه الأسلوب أكثر من التصوير حيث ربط القضية بسلاسة بالعين الظامئة ..وهنا المفاجأة حيث تلك العيون التي تترقب و تتربص و كشف اللغز كله.

أحداقهنّ ظماءٌ إنْ وَردْنَ ..لِذا
أدركتُ ساعتها ما أزمة النيلِ!
على أنه ربط الظمأ بحال الورود وكان الأمثل لو لم يربط فتكون ظامئة إن وردت وإن لم ترد..ولكن ذلك لا يقلل جمال البيت الممتاز!
وهل كان الأفضل لو ترك الشاعر الإجابة للجمهور ؟!
أم أنه أحب إنهاء النص الجميل وحرمنا من متعة الإسهاب فيه و...
ولو كنت مكان الشاعر لربما تركت الأمر لغزا غامضا يستنبطه القاريء! و لا يفوتني هنا الإعجاب باختيار الشاعر لجزئية العيون ...وما فيها من تربص ..وترقب...و كونه شبهها بالظامئة مع قضية النيل فيدل على مناسبة اللفظ عند شاعرنا...
وأعجبني تأثر الشاعر بالقرآن الكريم واقتباس قصة الفيل و أبرهة ....و طبعا ربط أمر النيل والحبشة وما الى ذلك ...فنلاحظ أن الشاعر خطف سفرا سريعا من الحاضر الى الماضي في تلميح إلى نفس الجنود و التعرض للخطر الحبشي من جديد....

وأعجبني اللفظ والموسيقى الداخلية

يعني انظر إلى المطلع الجميل:

وإنّ للحبشيّاتِ اللحاظَ تشي
بما تكنّ الحشا من غيرِ تأويلِ

انظر إلى حرف(الشين) تكرر الحرف*ش* في" تشي" وفي "الحبشيات" وفي "الحشا "...الحرف يشعرك بتكراره هنا ب صوت خفي في البيت يشعرك بحركة زحف بطيء لجيش يزحف و يسعى ...حرف الشين في بيت المطلع كان عجيبا..ربما يدل على عيش الشاعر في المعركة وسماعه لدقات الخطى!!

كما أعجبني الألوان...فنرى اصفرارا...وقنديلا..وماء ملون...الخ
كان هناك تناغم لفظي و لوني و فني و البحر البسيط أعجبني كثيرا فهو ناسب الموسيقى المطلوبة مع تقسيماته الداخلية الجذابة الرنانة ...
النص على قصره بليغ متين السبك والحبك والعرض...ولولا طال الغموض لكان له زيادة في الجمال فالنص على قصره ضرب عصافيرا كثر فما بالنا لو طال!..وتحياتي.لأستاذنا الحبيب عبد السلام