قواتِلُه

تَناوَبُ في قَلبِ المُحِبِّ قَواتِلُه
وسِيّانِ مَن يُغري القَتيلَ وقاتِلُه
أَذَبْنَ بأهدابِ النواعِسِ لُبَّهُ
فنَوَّلنَ مَشغوفاً وهُنَّ نَوائِلُه
وأَذهَبْنَ ذاكَ اللُّبَّ لا عَوْدَ يُرتَجَى
ومَن يَدفَعِ المَحتومَ كَلَّتْ وَسائِلُه
سُدىً كُلُّ رأيٍ ساوَرَ العَقلَ والنُّهَى
إذا العَينُ لا تُغْضي ولا القَلبُ عاقِلُه
ألانَتْ بِهِ مَرْضَى الجُفُونِ عَريكَةً
يَلوذُ بباقِي الحَزْمِ والحَزمُ خاذِلُه
كَمِثلِ غَريقٍ ضَمَّهُ البَحرُ مُجْهَدٍ
ولا طَوْفَ مِن مَوجِ المَفاتِنِ ناشِلُه
يُراوِغُ نَبْلَ الحُبِّ يَرمِي فُؤادَهُ
فَيُصميهِ سَهْمٌ كان قَبلاً يُخاتِلُه
بعَينَي غَزالٍ نازعا البَحرَ سِحرَهُ
له فَرْعُ بانٍ مائِدُ القَدِّ مائِلُه
يَفيضُ بأنوارٍ فَلا الشَّمسُ مِثلُهُ
ولا البَدرُ في أدْنَى المَحاسِنِ طائِلُه
إذا جازَ رَوضاً يَهمِسُ الزَّهرُ ما اسمُهُ؟
وعَنْ كُلِّ حَرفٍ جاوَبَتهُ بلابِلُه
تُكاشِفُهُ لَحْنَ الوِدادِ جَهارَةً
ويَسألُها كَتمَ الهَوى فتُشاغِلُه
وأنَّى جَوِيُّ الصَّدْرِ يَكتُمُ وَجْدَهُ
وأَنْفاسُهُ فِي ما يُكِنُّ عَواذِلُه
ومَنْ لِسَليبِ القَلبِ يَحفَظُ سِرَّهُ
وكُلُّ بَريقٍ في النَّواظِرِ قائِلُه
تَذَوَّقْتَ يا قلبي الغَرامَ وسُغْتَهُ
وأسقاكَ مِن كأسِ الصَّبابَةِ باذِلُه
ذَهِلتَ فَما تَدري أخَفقُكَ قَبلَهُ
وما يَبْهَرُ الأنفاسَ أم ذاكَ حاصِلُه
عَهِدتُكَ ما يُلفَى لِبابِكَ مَسْلَكٌ
فَما لِلهَوى التَفَّتْ عَليكَ حَبائِلُه
مَذاقُ الهَوَى عَذْبٌ وَمُرٌّ عَذابُهُ
وقُوتُ الهَوى صَبْرٌ وغاضت مَناهِلُه
ودُونَكَ في حالِ المُحِبّينَ فِعلُهُ
فلا شَيءَ في سَحْقِ القُلوبِ يُماثِلُه
وإنْ عَنكَ غابَتْ حالُهم ومآلُهم
ففيكَ ولو أنكَرْتَ لاحَت دَلائِلُه
يُخالِطُ كِبْدَ المُبتلى فيُعِلُّه
ويَحرِمُهُ غَمْضَ الجُفونِ يُخايِلُه
تَراه سَقيماً تشتكيهِ ضُلوعُه
وأعضاؤهُ تَذوي وهَمٌّ يُزامِلُه
كأنَّ فُؤادَ المُستهامِ فقِيدُها
وأحشاءَه بَعد الهُيامِ ثواكِلُه
تَحَسَّبْ فإنَّ العُمرَ يمضي شبابُهُ
ويُحصي عليكَ الشَّيبُ ما أنتَ فاعِلُه
تأثَّمَ مِن سُود الفِعالِ سَوادُهُ
فأحرَمَ وابْيَضَّتْ عليهِ خَصائِلُه
أتُزْلِقُكَ الدُّنيا ويَقتلِعُ الهَوى
شِراعَكَ في بَحرٍ تَباعَدَ ساحِلُه
وتُشْغَلُ عَن قَصدِ السَّبيلِ بِرَحْلِهِ
وهَلْ دامَ في التَّرحالِ رَحلٌ وراحِلُه ؟
تَدارَكْ قُبَيلَ الفَوْتِ مالا يُعيدُه
نَدامَةُ قَلبٍ أو مِنَ الدَّمعِ هاطِلُه
تُبادِرُكَ الأيّامُ مَرَّ سَحابِها
إذا عاجِلٌ وَلَّى أَظَلَّكَ آجِلُه
ويَدنو إليكَ الحَقُّ في كُلِّ ساعةٍ
وتَهدِمُ أوهامَ البقاءِ مَعاوِلُه
رُوَيدَكِ يا دُنيا فقلْبي مُغادِرٌ
مَتاعَكِ مُضْنىً مِن هُمُومِكِ كاهِلُه
إذا المَرءُ لَمْ يَرجُ المُقامَ سَكينةً
وإنْ رَحُبَتْ ضاقتْ عَليهِ منازِلُه
أَغَرَّكِ فِي وَجهي ابتسامَةُ زاهِدٍ
وهلْ فيكِ مِن خَيرٍ لِذي اللُّبِّ يامُلُه ؟
وإنِّي لَعارٍ مِن نَعيمٍ ولَذَّةٍ
وما كان مِن وِزرٍ فإنِّيَ حامِلُه
وما كان مِن كَسْبٍ جَنَيتُ ثِمارَهُ
فإنِّي لمَوقوفٌ أبِالحَقِّ نائِلُه ؟
وحَسْبُ امرِئٍ يَومَ الحِسابِ مَغَبَّةً
بأنَّ الحَسيبَ الحَقَّ في الكَسْبِ سائِلُه
وما مِن قَريبٍ تُرتَجى حسَناتُهُ
ولا مِن خَليلٍ بالفِداءِ يُجامِلُه
هَباءٌ لَدَى المِيزانِ جُلُّ صَنيعِهِ
سِوَى بَعضِ ذِكْرٍ باقياتٌ فَضائِلُه
وزادٍ مِنَ التَّقوى وبِرٍّ لأهلِهِ
وأَخلِصْ لِوَجهِ اللهِ ما أنتَ عامِلُه
سألتُكَ يا ربِّي بِتَوبي وأوْبَتي
فَيا غافِرَ الزَّلاّتِ هَلْ أنتَ قابِلُه ؟
لَئِنْ كُنتَ عَنِّي يا إلـٰهِيَ راضِياً
فَكُلُّ بَلاءٍ تُسْتَهانُ غَوائِلُه
ويَسِّرْ لِقَلبي مِنْ كِتابِكَ حَظَّهُ
فإنَّ شِفائي في الَّذي أنتَ قائِلُه
وقَلْبٌ كلامُ اللهِ يَعمُرُ جَوفَهُ
حَرِيٌّ بأنْ يَحيا ولا شيءَ قاتِلُه

*****
مازن لبابيدي