أحدث المشاركات
صفحة 1 من 6 123456 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 10 من 58

الموضوع: الوديعة

  1. #1

    افتراضي الوديعة

    سَكَنَتْهُ آلامُ الوحدةِ والحِرْمَانِِ .... صَفَعَتْهُ طَعَنَاتُ النَظَرِِِ إلى شَفَاةٍ تَتَمَعَّضُ شَفَقَةً عَلَيْهِ , تُلاحِقُهُ أَيْنَمَا وُجِدَ ...عَوَى الذِئَابُ فِي صَحَرَاءِ حَيَاتِهِ حَتَّى بَاتَتْ مُوحِشَةً جَرْدَاء ..
    اِسْتَوْطَنَتْهُ مَرَارَةُ السِنيِِنِ العجَاف مُبَعْثَرَةً دَمْعَاتُهُ تَتَوَسَّلُ الْمُسْتَحِيلَ .
    قَرَعَ أَبْوَابَ الْسَمَاءِ دَاعِيَاً .. رَاجِيَا .. مُتَمَنَّياً .. عَسَىَ اللهُ أَنْ يَسْتَجِيبَ الْدُّعَاءَ ,
    مَرَّغَ وَجْهَهُ فِي سجُودِه بِِظُلُمَاتِ الْلَّيْلِ ... إمْتَلأَتْ نَفْسهُ بِجَوعِ الْحَنِينِ لِلأُبُوَةِ .. غَنَّتْ دُمُوعُهُ بِحَسْرَةِ الْرُؤَى كُلَّمَا حَمَلَ صَغِيرَاً ,
    تَسَاءَلَ كَثِيرَاً حَيْثُ الأمَل مُخْتَنِق :
    هَلْ لِي أَنْ أَتَزَوَّجَ بِأُخْرَى ؟
    هَلْ سَيَأْتِي يَوْمٌ تَرْتَسِمُ عَلَى وَجْهِي بَسْمَةُ صَافِيَة ؟
    وهَلْ مِنْ بزُوغِ فَجْرٍ سَعِيدٍ ؟!
    رَمَى بِرَوْحِهِ عَلَى قَارِعَةِ الْبَحْثِ بِأُخْرَى ... وسَانَدَتْهُ لَيَالِي الْبُؤْسِ الَّتِي شَتَّتَتْ وِحْدَتَهُ الَّتِي اعْتَصَرَهَا الْحِرْمَان يَسْتَجْدِي كُلّ منْ حَوْلِهِ يَهُزُّهُ الْشَوْقُ حَنِينَاً ..
    تَتَرَاقَََصُ لَهُ الْدُنْيَا فَرَحَاً ... لِيَلْتَقِط مَابَقِيَ مِنْ أَنْفَاسِ الْحَياَةِ ,
    يَنْبُت بُرْعُمٌ يَسْقِيِهِ بِفَيْضِ عَيْنَيْهِ لِتًصْبِحَ نَبْتَةً تَعْبِقُ أَجْوَاءَ رَوْحِهِ ...
    زَهْرَة جَمِيلَة أنْسَتْه تِلْكَ الْذِكْرَيَاتِ الْمَثْكُولَةِ ,
    فَلَفِظَ كُلَ تَرَاكُمَاتِ الْمَاضِي وَعَاشَ الأُبُوَةُ بِكِلِّ مَعَانِيهَا ,
    كَانَ يَجْثُو تَحْتَ قَدَمَيْهَا , يَسْتَنْشِقُ أنْفَاسَهَا لِتَمْتَلِئَ نَفْسهُ سَعاَدَةَ وَرَضَاً .

    خَمْسَة عَشْر عَامَا ... تَجَرَعَتْ فِيهَا الْزَوْجَةُ الأُوَلَى مَرَارَةَ الْحِرْمَانِ حَتَّى قَرَّحَ الْدَمْعُ مَآقِيهَا , وألْهَبَتْ سِيَاطُهُ مُتُونَ صَبْرِهَا , تَنْتَظِر أَنْ يَنْبِضَ قَلْبها الَّذِيِ أَهْلَكَهُ الانْتِظَار , حَيْثُ تَرَاكَمَتْ الأَحْزَانُ تَصْرُخُ بِمَرَارَةٍ تُنَغِّصُ أَيَامَهَا ... تُطََارِدُهَا أُمْنِيَاتٍ تَتَمَخَّضُ بِوَجَعِ الْشَوْقِ لِلأمُومَةِ .. تُبَعْثِرُهَا الأَنَّاتِ وتَعُودُ تُلَمْلِمُهَا مَرَّةً أُخْرَى ,
    يَالَهَا مِنْ أَحْلاَمٍ لاتَتْعَب ولا تَتَأَوَّه ..
    وإِذَا بِشَيْءٍ يُوحِي بِالْحَيَاةِ .!
    يَمْتَزِجُ الْحلْمُ بِالْخَيَالِ ... يَتَجَسَدُ .. يُرْوِي عَطَشَ الْسِنِينِ ؛ لِيَسْعِفَها الْقَدَر ويَمُنُّ اللهُ عَلَيْهَا بِيَاسَمِينَةٍ نَدِيَةٍ تَسْتَمِدُّ نُورَ الْوُجُودِ مِنْ نَبَضَاتِهَا ويَجْعَلُ دَوْحَتَهَا غَنَاءً نَضِرَةً .
    تَبَاشِيرُ مِيَلادٍ للْثَانِيَةِ تَمْلأُ الْدُنْيَا بِبَسْمَةِ قدُومِ بُرْعُمٍ أخْضَرٍ غَذَّتْهُ قَطَرَاتُ الأمَلِ ( فَارِس )
    تَمُرُّ الأَيَّامُ .. تَلِيهَا الْشُهُورُ , وتَمْلأُ أرْكَانَ قَلْبِهِ تَغَارِيدُ كَلِمَةٍ لَطَالَمَا حَلمَ بِهَا سَنَوَاتٍ طوالٍ ( بابا ) ...
    كَانَ يَحْمِلُه ... يُهَدْهِدُه ... يَضْحَكُ لِضَحكَاتِهِ ... يَجْزَعُ لِبُكَائِهِ ... كَانَ لَهُ تَاج الْحَيَاةِ .
    ويَأْتِي الْعِيدُ يَلْبَسُ حُلَّةَ الْفَرَحِ الَّتِي اكْتَمَلَتْ بِهَمْسَةٍ فِي مَسْمَعِ الْفَجْرِ ( لَبَّيْك ) .
    الْكُلُ يَتَبَادَلُ الْتَبَارِيك والْتَهَانِي .... فِي سُرُورٍ وفَرَحٍ , تُذْبَحُ الأَضَاحِي ..
    تَنُوحُ الْدُنْيَا وهِيَ تَغْتَصِبُ الْفَرْحَةُ , وقَدْ أَيْنَعَ الْعِيدُ حُزْناً , لِيَحْتَضِنَ في حَنَانٍ ... والْدُمُوعُ تَمْلأُ عَيْنَيْهِ . وهُوَ يَحْمِلُ بَيْنَ ذِرَاعَيْهِ مَاعَاشَ يَتَمَنَّاهُ سَنَوَات عُمْرِهِ فِي غُمُوضِ الأقْدَارِ,
    يَسْتَرِدُ اللهُ وَدِيَعَتُهُ .. !
    لِيَجَدَ نَفْسَهُ بَيْنَ جُدْرَانِ الْحِرْمَانِ مَرَّةً أُخْرَى .
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  2. #2
    الصورة الرمزية حسام القاضي
    أديب قاص
    تاريخ التسجيل: Mar 2006
    الدولة: مصر+الكويت
    العمر: 64
    عدد المشاركات: 2,213
    :عدد المواضيع 78
    :عدد الردود
    المعدل اليومي 0.31

    افتراضي

    أختي الفاضلة الأديبة / رنيم مصطفى
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    لعلها المرة الأولى التي أقرأ لك فيها عملاً قصصياً
    وأظنها لن تكون الأخيرة ..
    "سَكَنَتْهُ آلام الوحدةِ والحِرْمَانِِ .... صَفَعَتْهُ طَعَنَات النَظَرِِِ إلًى شَفَاةٍ تَتَمَعَّضُ شَفَقَةً عَلَيْهِ , تُلاحِقُهُ أَيْنَمَا وُجِدَ ...عَويَ الذِئَابُ فِي صَحَرَاءِ حَيَاتِهِ حَتَى بَاتَتْ مُوحِشَةً جَرْدَاء .. "
    بداية أكثر من رائعة ألقت بنا في خضم الموضوع مباشرة ( أحبذ دائماً بدء القصة القصيرة بجمل فعلية).
    سرد شيق جميل للغاية وبليغ في آن ، والجميل بل والفريد هنا ان يجتمعا مع هذا الشعور الصادق المفعم بالأسى ؛ لتكتمل هذه الثلاثية الرائعة.
    ملكت مفاتيح العمل وأدرت عناصره بمهارة جعلتنا ننتقل معك من فقرة لأخرى مترقبين مستمتعين و..أيضاً متألمين .. حتى وصلنا للنهاية التي فجعتنا ومع ذلك ظللنا مستمتعين ولكن بعمق ..عمق هذه المشاعر الصادقة التي نجحت في شحن وجداننا بها..
    منذ زمن بعيد لم أصادف عملاً لدى صاحبة أدوات القص بهذه المهارة مع امتلاكه ناصية لغة ثرية أنيقة .
    سعادتي كبيرة
    تقبلي تقديري واحترامي

    للتثبيت
    حسام القاضي
    أديب .. أحياناً

  3. #3

    افتراضي

    أختي الفاضلة رنيم
    نص مؤلم ، تتضارب فيه المشاعر
    بين تلهف للأبوة ،
    و مظلمة للزوجة الأولى
    التي// تقرحت بها عيناها// ،
    إلى فرح ملأ حياة بطل القصة ،
    ثم إلى لحزن لفه من جديد
    بعد فجيعته
    ***
    أختي الفاضلة
    نصك رغم إيلامه مشوق ،
    صيغ بحِرفية قاصة متمرسة ،
    لا أدري أين كانت مختبئة ،
    ***
    أهنئك يا أختاه نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    راجيا لك دوام التألق
    نزار

  4. #4

    افتراضي


    الله اساذتنا الفاضلة
    قصة محبوكة
    ولغة تتماهى في أفق الجمال بدون افتعال
    نهاية رائعة ومحزنة ولكنها ممتعة في نفس الوقت
    اختنا انت قاصة رائعة لقد عشنا الواقع والخيال في آن
    دمت بحق مبدعة رائعة

  5. #5

    افتراضي

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

    الغالية رنيم،

    كنت رائعة هنا بصدق، طربت فرحا لما قرأته، لغة جميلة وقوية وسلسلة في ذات الآن.

    استطاع الحرف أن يؤدي واجبه على أكمل وجه فبلغ لنا فكرة الكاتبة بأمانة ودقة.

    رنيم، "ما كل ما يتمنى المرء يدركه تجري الرياح بما لا تشتهي السفن"

    لقد تمنى أن يسمع كلمة باب ولا ألومه في ذلك فالكل يحلم بالأبوة انتظر طويلا لكنها بدورها انتظرت

    طويلا وما أقسى انتظار المرأة بين خوف من حرمانها من كلمة ماما وخوف من اتخاذ زوجها أخرى

    إن رزق منها بولد نسيها تماما.

    وتأبى الأقدار إلا أن تمنحه الفرحة وتخطفها منه ثانية "استرد الله وديعته" وله سبحانه أن يأخذ ما أعطى

    إنها حكمة الخالق، رغم مرارتها على الزوج لكون الألم تضاعف.

    رنيم، سُعدت بقلمك كثيرا هنا.

    تحيتي ومودتي.

  6. #6

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة حسام القاضي مشاهدة المشاركة
    أختي الفاضلة الأديبة / رنيم مصطفى
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    لعلها المرة الأولى التي أقرأ لك فيها عملاً قصصياً
    وأظنها لن تكون الأخيرة ..
    "سَكَنَتْهُ آلام الوحدةِ والحِرْمَانِِ .... صَفَعَتْهُ طَعَنَات النَظَرِِِ إلًى شَفَاةٍ تَتَمَعَّضُ شَفَقَةً عَلَيْهِ , تُلاحِقُهُ أَيْنَمَا وُجِدَ ...عَويَ الذِئَابُ فِي صَحَرَاءِ حَيَاتِهِ حَتَى بَاتَتْ مُوحِشَةً جَرْدَاء .. "
    بداية أكثر من رائعة ألقت بنا في خضم الموضوع مباشرة ( أحبذ دائماً بدء القصة القصيرة بجمل فعلية).
    سرد شيق جميل للغاية وبليغ في آن ، والجميل بل والفريد هنا ان يجتمعا مع هذا الشعور الصادق المفعم بالأسى ؛ لتكتمل هذه الثلاثية الرائعة.
    ملكت مفاتيح العمل وأدرت عناصره بمهارة جعلتنا ننتقل معك من فقرة لأخرى مترقبين مستمتعين و..أيضاً متألمين .. حتى وصلنا للنهاية التي فجعتنا ومع ذلك ظللنا مستمتعين ولكن بعمق ..عمق هذه المشاعر الصادقة التي نجحت في شحن وجداننا بها..
    منذ زمن بعيد لم أصادف عملاً لدى صاحبة أدوات القص بهذه المهارة مع امتلاكه ناصية لغة ثرية أنيقة .
    سعادتي كبيرة
    تقبلي تقديري واحترامي

    للتثبيت
    القدير أستاذنا الفاضل / حسام القاضي
    تتلوك التحايا وتزهو بك صفحتي
    كلماتك مبعث أمل وفخر لي
    كل الود لك والشكر لحضورك
    أجمل زهوري

  7. #7

  8. #8

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة نزار ب. الزين مشاهدة المشاركة
    أختي الفاضلة رنيم
    نص مؤلم ، تتضارب فيه المشاعر
    بين تلهف للأبوة ،
    و مظلمة للزوجة الأولى
    التي// تقرحت بها عيناها// ،
    إلى فرح ملأ حياة بطل القصة ،
    ثم إلى لحزن لفه من جديد
    بعد فجيعته
    ***
    أختي الفاضلة
    نصك رغم إيلامه مشوق ،
    صيغ بحِرفية قاصة متمرسة ،
    لا أدري أين كانت مختبئة ،
    ***
    أهنئك يا أختاه نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    راجيا لك دوام التألق
    نزار
    القدير الأديب / نزار ب .الزين
    لحضورك أيها الراقي أجمل الأثر في النفس..
    سنابل التحايا وقوافل الياسمين تنحني بين يديك
    شكراً لك وأكثر
    ود

  9. #9

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الطنطاوي الحسيني مشاهدة المشاركة

    الله اساذتنا الفاضلة
    قصة محبوكة
    ولغة تتماهى في أفق الجمال بدون افتعال
    نهاية رائعة ومحزنة ولكنها ممتعة في نفس الوقت
    اختنا انت قاصة رائعة لقد عشنا الواقع والخيال في آن
    دمت بحق مبدعة رائعة
    الفاضل القدير الأستاذ / الطنطاوي
    جميل الكلام وجدته في تعليقك سيدي
    جعلتني أبتسم في امتنان..
    أسعدني وجودك هنا
    لك الفرح كله ولقلبك سلام يليق به
    ود

  10. #10

    افتراضي

    صعب عليَّ التعليق بعد مرور الأخوة الكرام وبخاصة الأستاذ حسام القاضي, أدهشتني الانسيابية والروعة في تلك القصة الغنية بالسرد المتنامي والمشاعر الجياشة المنسابة على الصفحات بمرونة. تناسبت رباعيات الحبك وتوازنت في روعة حتى النهاية التي جاءت موفقة بشدة. نص استحق التثبيت, وكلي شوق لانتظار القصة القادمة.

    يرعاكِ ربي متألقة.
    الناس أمواتٌ نيامٌ.. إذا ماتوا انتبهوا !!!

صفحة 1 من 6 123456 الأخيرةالأخيرة

المواضيع المتشابهه

  1. رؤية نقدية لقصة " الوديعة " للأديبة آمال المصرى
    بواسطة هشام النجار في المنتدى النَّقْدُ الأَدَبِي وَالدِّرَاسَاتُ النَّقْدِيَّةُ
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 21-11-2014, 02:44 PM